الباحِث: سَلَام مَكّيّ خضَيّر الطَّائِيّ
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أبي القاسم مُحَمَّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرِين، واللعن الدَّائِم على أعدائهم إلى قيام يوم الدِّين...
أمَّا بعد...
فإنَّ من الصَّحابة الذين كان له الأثر البارز في الإسلام، بوقوفهم للنَّبي الأكرم مُحَمَّد وآلهِ الأطهار (صلَّى الله عليه وآله) ونصرتهم، لا سيما وقوفهم مع أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام)، هو الصَّحابي: (علقمة بن قيس الكوفيّ النّخعيّ).
اسمه ونسبه:
هو: علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك بن علقمة بن سلامان بن كهل ويقال كهيل بن بكر بن عوف بن النّخع ويقال بكر بن المنتشر[1]، الفقيه المشهور الملقَّب: بـ(النّخعيّ الكُوفيّ)[2]، والمكنَّى بـ(أبي شِبْل)[3].
صفاته:
أ-ثقافته المعرفيَّة والفقهيَّة:
كان لعلقمة بن قيس ثقافة معرفيَّة تميزه عن غيره، فكان قارئًا للقرآن الكريم، وكان صوته من الأصوات الحسنة الجميلة، فروي عنه أنَّه قال: (كنت حسن الصوت بالقرآن وكان عبد الله بن مسعود يرسل إِليَّ فاقرأ عليه فإذا فرغت من قراءتي قال: زدنا من هذا فداك أبي وأُمي فإنّي سمعت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يقول: ((إنَّ حسن الصَّوت زينة القرآن)))[4].
وكان فقيهًا شيعيًّا ومن المحدثين في الكوفة وعالمًا بالفرائض، ويعدّ من رجال مدرسة ابن مسعود في الفقه والحديث، ومن الرواة الذين روى عنهم رجال كُثر، وكان قد هاجر في طلب العلم والجهاد، فسكن الكوفة ولازم ابن مسعود، وتفقّه به العلماء، وتصدّي للفتيا بعد أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) وابن مسعود[5]، وقيل: كان في الكوفة أربعة ممّن يعدّ بالفقه ... ثم علقمة الثالث[6].
فعن قابوس بن أبي ظبيان، قال: (قلتُ لَابي: كيف تأتي علقمة وتدع أصحاب [النَّبيّ] مُحَمَّدٍ (صلَّى اللَّه عليه [وآله] وسلَّم)؟ قال يا بُنَيَّ: إنَّ أصحاب [النَّبيّ] مُحَمَّدٍ [صلَّى الله عليه وآله] يسألونه)[7].
ب-صحبته ومشاهده مع الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام):
كان علقمة بن قيس من الصَّحابة الموالين المخلصين لآل بيت النَّبيّ مُحَمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله)، فكان هو وأخوه أُبَي بن قيس من الصَّحابة الأجلَّاء والمقرَّبين للإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام)، فشهدا معه (عليه السَّلَام) معركة صفّين، وقاتلا فيها مع قبيلتهما النَّخع قتالًا شديدًا، فأُصيب من أفراد تلك القبيلة يومئذ أخيه (أُبيّ بن قيس) واستشهِد فيها وكان يقال له: أُبَيّ الصَّلَاة لكثرة صلاته، وأَمَّا علقمة بن قيس الفقيه (رضوان الله عليه) فقد خضب سيفه من دماء الفئة الباغية، وأُصِيب هو الآخر في هذه المعركة، فقُطعت رجله فكان يقول: (ما أُحبّ أنّ رجلي أصحّ ما كانت؛ لما أرجو بها من حسن الثواب من ربّي، ولقد كنت أحب أن أبصر في نومي أخي وبعض إخواني، فرأيت أخي في النوم فقلت له: يا أخي، ماذا قدمتم عليه؟ فقال: التقينا نحن والقوم فاحتججنا عند الله (عزّ وجلّ) فحججناهم، فما سررت بشيء مذ عقلتُ كسروري بتلك الرّؤيا)[8].
وورد المدائن في صحبة الإمام عَلِيّ (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) وشهد معه حرب الخوارج في معركة النَّهروان[9]، فجاء عن الأعمش عن مسلم البطين قال: رؤي علقمة خاضبًا سيفه يوم النهروان مع [أمير المؤمنين الإمام] عَلِيّ [عليه السَّلَام][10]، أمضى سنتين في خوارزم، وتوجّه إلى خراسان للقتال[11].
جـ- مواقفه مع المناوئين للإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) وأعدائه:
فكان من المجاهدين في سبيل الله تعالى في صف الإمام عَلِيّ (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، وكانت له مواقف ضد مناوئيه وأعدائه الضالين المضلين، فوقف في وجه معاوية، ولم يزل عدوا له حتى مات، وقد كتب أبو بردة اسم علقمة في الوفد إلى معاوية أيام حكمه، فلم يرضَ علقمة بن قيس حتى كتب إلى أبي بردة: (أمحني أمحني)[12].
وفاته (رضوان الله تعالى عليه):
أُختلِف في وفاة هذا الصحابي الفذ[13]، فقيل: إنَّ علقمة بن قيس سنة مات اثنتين وستين[14]، وقيل: مات اثنتين وسبعين وله تسعون سنة، وقيل: مات سنة ثلاث وسبعين[15].
فهذا ما يسعنا ذكره عن هذه الشخصية الفذَّة، ونسأل الله تعالى أن يتقبَّل منَّا هذا العمل بأحسن قبول، وأن يرحمنا برحمته التي وسعت كلّ شيء، وأن يرحم جميع الصَّحابة الذين نصروا وثبتوا مع النَّبيّ الأكرم مُحَمَّد (صلَّى الله تعالى عليه وآله) وآل بيته الأطهار (عليهم أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) ولم يخذلوهم، بحرمة مُحَمَّد وآلِ مُحَمَّد الطَّيِّبين الطَّاهِرِين (صلَّى الله عليه وآله)، إنَّه سميعٌ مُجِيب...
الهوامش:
[1] تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: 41/154.
[2] تاريخ الإسلام، الذَّهبيّ: 5/190.
[3] موسوعة الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) في الكتاب والسُّنَّة والتَّاريخ، محمَّد الرّيشهري: 12/222.
[4] روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، محمد تقي المجلسي (الأول): 10/172.
[5] ينظر: موسوعة الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام): 12/222، وموسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام جَعَفَر بن مُحَمَّد الصَّادِق (عليهما أفضل الصَّلَاة والسَّلَام): 1/469.
[6] ينظر: موسوعة طبقات الفقهاء: 1/469.
[7] تاريخ الإسلام، الذَّهبيّ: 5/192.
[8] ينظر: وقعة صفّين، ابن مزاحم المنقري: 287، والمراجعات، السَّيِّد شرف الدِّين: 155.
[9] ينظر: تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي: 12/293.
[10] المصدر نفسه: 12/294.
[11] موسوعة الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام): 12/223.
[12] المراجعات: 155-156.
[13] ينظر: موسوعة الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام): 12/223.
[14] تاريخ خليفة بن خياط، خليفة بن خياط العصفري (شباب): 180-181.
[15] تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي: 12/297.