البَاحِث: سَلَام مَكِّي خضَيّر الطَائِيّ.
الحمدُ لله ربّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على خير خلق الله أجمعين رسوله الكريم وآله الغرّ الميامين وبعد:
خاض الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام)، في حياته معارك عدة بينه وبين أعداء الدعوة الإسلاميَّة وتعاليمها، فمن هذه المعارك هي: معركة الجمل التي جرت في فترة حكمه سنة (36هـ)، أو ما تسمى أيضاً بفتنة الجمل.
وقد جرت هذه المعركة البصرة، إذ قاتل النَّاكثين لبيعته، ومنهم طلحة والزّبير، بعد أن التحقوا بعائشة، ونكثا البيعة وساروا إلى البصرة بحجّة الطَّلب بدم عثمان، وقد نتج عنها آلاف الشُهداء من الذين شاركوا في نصرة أمير المؤمنين (عليه السَّلَام)، ووقفوا إلى جانبه من الأنصار والصَّحابة الخلَّص الموالين له وكان لهم دورٌ بارزٌ في تلك المعركة، ومن هؤلاء الصَّحابيّ الجليل: سِيحَان بن صُوحَان العبديّ.
اسمه ونسبه:
هو: سيحان بن صوحان العبدي[1]، بن حُجْر عساس بن ليث بن حداد بن ظالم بن ذهل بن عجل بن عمرو بن وديعة بن أفصى بن عبد القيس، من قبيلة ربيعة[2].
وسيحان أخو زيد وصعصعة ابنا صوحان[3]، وهو مثلهما في التّقوى والزّهد، والشجاعة والإخلاص، والولاء لأمير المؤمنين (عليه السَّلَام)[4].
صفاته (رضوان الله عليه):
كان سيحان بن صوحان كأخوته، من الصَّحابة الموالين الخلَّص لأمير المؤمنين (عليه السَّلَام)، بالإضافة إلى ذلك كان من العارفين بحقِّ أمير المؤمنين (عليه السَّلَام)، فقد قال فيه الإمام جعفر بن مُحَمَّد الصَّادق (عليهما السَّلَام)[5]: (ما كان مع أمير المؤمنين (عليه السَّلَام)، من يعرف حقَّه إلا صعصعة وأصحابه)[6]، ولعلّ المراد من أصحاب صعصعة: هم بعض صحابة الإمام عَلِي بن أبي طالب (عليه السَّلَام)، ومن ضمنهم سيحان بن صوحان العبديّ[7].
وكان خطيباً فصيحاً بليغاً[8]، زاهداً تقياً، ذا عقيدة قوية وولاءٍ قوي وإيمانٍ صلبٍ، وكان شجاعاً لا يهاب الموت في سبيل الله تعالى، وكان له ولإخوته دورٌ كبير في معركة الجمل، ووقوفهم في صفّ الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام)[9].
مشاركته في معركة الجمل:
شهد الصَّحابي سيحان بن صوحان العبديّ الكوفيّ معركة الجمل مع الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام)[10]، وهذا ما يوضح عقيدته الصَّادقة اتّجاه الإمام (عليه السَّلَام).
فقد أبلى بلاءً حسناً في المعركة، وكانت له أدوار بطولية وقياديّة بارزة عدّة، فمن الأدوار التي تقلَّدها الصَّحابيّ الجليل سيحان بن صوحان العبدي (رضوان الله عليه) في معركة الجمل هي:
1- كانت الرَّاية يوم الجمل في يده: -أي راية قبيلته بنو ربيعة- في معركة الجمل[11]، وهذا إن دلَّ على شيء يدلُّ على شجاعته وبطولته وقوة عزيمته، ونصرته للإمام الهمام أمير المؤمنين عَلِيّ بن أبي طالب (عليهما السَّلَام).
2- حثّه للنَّاسِ على نصرة أمير المؤمنين عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام)، وهو كما ذكر المؤرخون: أَنَّه أحد الذين خطبوا في الكوفة يحثون النَّاس على نصرة أمير المؤمنين (عليه السَّلَام)، وطاعته في حرب الجمل[12]، فيروى أنَّه خطب قائلاً (رضوان الله عليه): (أيها النَّاس لا بد لهذا الأمر وهؤلاء النَّاس من والٍ يدفع الظَّالم ويعزّ المظلوم ويجمع النَّاس، وهذا واليكم-يعني: أمير المؤمنين عليه السَّلَام- يدعوكم لتنظروا فيما بينه وبين صاحبيه-يعني: طلحة والزّبير- وهو المأمون على الأُمَّة، الفقيه في الدِّين، فمن نهض إليه فإِنَّا سائرون معه)[13]. وهذا موقف شدجاع يحسب لهذا الصَّحابي الفذ (رضي الله عنَّه).
3- ومن المواقف الأخرى في المعركة ذاتها لسيحان بن صوحان (رضوان الله عليه)، وهو: لمَّا دعا أمير المؤمنين عَلِيّ بن أبي طالب (عليهما السَّلَام)، أصحابه ليحملوا على الجمل ويعقروه ويخلّصوا النَّاس من شرّه، فكان سيحان بن صوحان العبديّ في مقدّمة من استجاب من بني صوحان، وتقدم نحو الجمل، فكان هناك استشهاده (رحمه الله)[14].
استشهاده وقبره (رضوان الله عليه):
كان سِيحَان بن صَوحَان من ضمن الذين نالوا شرف الشَّهادة في معركة الجمل مع الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام)، من صحابته (رحمهم الله)، في سنة (36هـ)، فنال شرف الشَّهادة بين يدي أمير المؤمنين (عليه السَّلَام)، بعد أن استشهد أخيه زيد في تلك المعركة، وأُصيب أخيه الآخر صعصعة فيها أيضاً[15]، فهذا موقفٌ مشرّفٌ لأبناء صوحان في معركة الجمل، فكان استشهاده (رحمه الله) بعد أن حمل على الجمل ليقتله، فاعترضه ابن يثربي -لعنه الله-، فاختلفا ضربتين، فقتله ابن يثربي، فخرَّ سيحان بن صوحان صريعاً في أرض المعركة[16]، أمَّا قبره (رضوان الله عليه) فنقلت لنا بعض المصادر أنَّ الصَّحابيّ سيحان بن صوحان العبديّ (رضوان الله عليه)، دُفِن مع أخيه زيد في نفس القبر عندما استشهدوا في معركة الجمل، وهذا جاء بناءً على طلب أخيه زيد بن صوحان، فيروى أنَّه طلب أن يُدفَن من دون أن يُغَسَّل من الدَّم، فيروى أنَّه قال لأمير المؤمنين عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام): (فادفنّيّ بدميّ ولا تغسلنيّ فانّيّ مخاصم عند ربّيّ)[17].
وفي الختام: أَن الحمد لله ربّ العالمين، والصَّلَاة على خير الأنام مُحَمَّد وآله الطَّيّبين الطَّاهرين، واللّعن الدَّائم على مبغضيهِم وأعدائهم إلى قيامِ يومِ الدِّين.
الهوامش:
[1] رجال الشَّيخ الطُّوسيّ: 66.
[2] ينظر: الطَّبقات الكبرى: لابن سعد: 6/ 221، الغارات لإبراهيم بن مُحَمَّد الثّقفيّ الكوفيّ: 2/891.
[3] ينظر: الطَّبقات الكبرى لابن سعد: 6/125، ورجال الشَّيخ الطُّوسي: 66.
[4] قبيلة بنو عبد قيس لعبد الهادي الرّبيعي: 3/64.
[5] ينظر: معجم رجال الحديث للسَّيّد الخوئي: 9/378.
[6] الغارات لإبراهيم بن مُحَمَّد الثقفي الكوفيّ: 2/888.
[7] ينظر: نهج السَّعادة في مستدرك نهج البلاغة للشَّيخ المحموديّ: 8/471.
[8] ينظر: الغارات لإبراهيم بن مُحَمَّد الثّقفيّ الكوفيّ: 2/891.
[9] ينظر: قبيلة بنو عبد قيس لعبد الهادي الرّبيعي: 3/64.
[10] ينظر: إكمال الكمال لابن مأكولا: 4/383.
[11] ينظر: الغارات لإبراهيم بن مُحَمَّد الثّقفيّ الكوفيّ: 2/891.
[12] ينظر: تأريخ بابن خلدون: 2ق2/159، قبيلة بنو عبد قيس لعبد الهادي الرّبيعي: 3/64.
[13] ينظر: تأريخ بابن خلدون: 2ق2/159، وأعيان الشِّيعة للسَّيِّد مُحسِن الأمين: 1/455.
[14] ينظر: قبيلة بنو عبد قيس لعبد الهاديّ الرّبيعي: 3/64.
[15] ينظر: الفتنة ووقعة الجمل لسيف بن عمر الضَّبيّ الأسديّ: 169، أعيان الشِّيعة للسَّيِّد مُحسِن الأمين: 1/485.
[16] ينظر: الفتنة ووقعة الجمل لسيف بن عمر الضبيّ الأسديّ: 169.
[17] أعيان الشّيعة للسَّيِّد مُحسن الأمين: 1/458.