العالمة النقية تنقل بعد عمها كلام خير البريَّة
علي فاضل الخزاعي
الحمدُ لله ربّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلام على المبعوث رحمة للعالمين مُحَمَّد بن عبد الله وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرين، واللعن الدَّائم على أعدائِهم إلى قيامِ يوم الدِّين...
أما بعد...
فإن كتاب نهج البلاغة بحر عميق ضم بين دفتيه صفحات نادرة من جواهر البلاغة التي نطق بها أمير البيان أمير المؤمنين (عليه السَّلَام)، وفيه من الكلام ما يضمُّ مختلف المجالات من دينٍ وعقيدةٍ ونُصحٍ وإرشادٍ ووعظٍ وعلم على تخصُّصاتٍ متنوِّعة .
ولذا حظي هذا الكتاب من الأهمية القصوى على مختلف العصور، وكيف لا يكون كذلك وفيه كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي هو (دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق).
ومن هنا أصبح لهذا الكتاب شروح ودراسات وأبحاث على مختلف التخصُّصات المعرفية، تبين ما ذكره أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) وتحلله وتفسِّره، وقد نال فضيلة شرف جمعه السَّيِّد الأجل الشَّريف الرَّضي (عليه الرَّحمة والرّضوان)، وبعده، تلهف الرُّواة إلى حفظ الكتاب وروايته وشرحه ببيان مضامينه ومقاصده وعلومه، وقد تواصلت سلاسل روايته بطرقٍ عديدة، ومن تلك الطرق ما انتهى إلى السَّيِّدة الفاضلة: (النقيبة بنت المرتضى)، وهي ابنة أخ السيد الشريف الرَّضي جامع النهج الشريف، ووالدها من أعمدة الفقه والعقيدة في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) . وسنعمد في هذه المقالة إلى التعريف بهذه السيدة الجليلة بحسب ما يسمح به المقام .
اسمها ونسبها:
بعد البحث عن اسم السيدة الجليلة ابنة المرتضى تبين أن اسمها غير معلوم سوى ما نقله صاحب الرياض بتصريح من السيد الأميني في أعيان الشيعة[1] .
أما وألدها فهو أبو القاسم السيد علي بن الحسين الموسوي علم الهدى، وهو أخو الشريف الرضي[2].
وهذه السيدة الفاضلة كانت تروي كتاب نهج البلاغة عن عمِّها الرضي، وكان يعتمد عليها الرواة في نقل نهج البلاغة بوصفها أحد الثمانية الذين رووا نهج البلاغة بعد الشريف الرضي (عليه الرحمة والرضوان) . ولم يبينوا سيرة حياة هذه العالمة سوى ما ذكر آنفاً.
ما قيل في حقّها (رضوان الله تعالى عليها):
مدحها العلماء والرواة بقولهم: (كانت فاضلة جليلة، وتروي عن عمّها السيد الرضي كتاب نهج البلاغة، ويروي عنها الشيخ عبد الرحيم البغدادي المعروف بابن الاخوة، على ما أورده القطب الراوندي في آخر شرحه على نهج البلاغة)[3].
وكذلك قالوا بحقها: (بنت الشريف المرتضى: عالمة فاضلة، روت كتاب نهج البلاغة عن عمّها السيد الشريف الرضي، وعنها ابن الاخوة البغدادي المتوفى سنة 548 ه)[4].
وبعد البحث تبين أن سلسلة روايات نهج البلاغة من المؤلف الشريف الرضي مباشرة تبلغ ثمانية رواة حسب الأسانيد المتسلسلة، وهم:
1 - أحمد بن علي بن قدامة (ت / 486).
2 - أبو عبد اللَّه جعفر بن محمد الدوريستي (ت / 401).
3 - عبد الكريم سبط بشر الحافي (ت / 227).
4 - محمد بن الحسن الطوسي (ت / 460).
5 - محمد بن علي الحلواني (ت / 520 ح).
6 - محمد بن محمد العكبري (ت / 472).
7 - أبو زيد الكيابكي.
8 - النقيبة بنت السيد المرتضى.
وقد اعتمد على هذه السيدة الجليلة جمع من الناقلين لروايات نهج البلاغة، بوصفها سيدة عالمة وبنت عالم متبحِّر وقريبة من المصدر الأول لكتاب نهج البلاغة، وقد اكتسبت هذه السيدة العلم والبلاغة من والدها وعمها، اللذينِ بلغا من العلم والمعرفة مرتبةً سادا فيها عصرهما، حتى قيل بحقهما: (لولا الرضي لكان المرتضى أشعر الناس، ولولا المرتضى لكان الرضي أعلم الناس)[5] .
ومن هنا حازت هذه العائلة الشريفة فضيلة جمع كتاب نهج البلاغة وأن يكون لهم خطٌّ متَّصلٌ في نقله إلى الأجيال اللاحقة، بواسطة سيدة جليلة، وزهرة براقة نقلت تحفة ضمَّت كلام أمير المؤمنين وسيِّد الموحدين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبذلك قد أتمَّ الله تعالى لهذه العائلة بفرعيها الرَّضي والمرتضى هبته الكبرى ونعمته العليا؛ بأن مكَّن الشريف الرضي من جمع كتاب النهج، وجعل ابنة المرتضى أحد رواته وطرق نقله، فالرحمة والرِّضوان لهم جميعًا ولكلِّ من سعى إلى الحفاظ على هذا السفر العظيم معتقدًا بحقِّ صاحبه أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسلام) .
وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلِّ يا ربّ على مُحَمَّد وآلِ مُحَمّد الطَّيّبين الطَّاهِرِين والغرّ الميامين المنتجبين...
الهوامش:
[1] أعيان الشيعة، السيد محسن الأميني: 2/ 275.
[2] ينظر: حياة السيد المرتضى، مركز المصطفى (ص): 14.
[3] رياض العلماء، عبد الله الأفندي: 5/409 ، ط / قم ، سنة 1401 .
[4] أعلام النساء، عمر رضا كحالة: 2/ 295، ط / دمشق،1377هـ، 1958م.
[5] اعيان الشيعة: 1/174.