الباحث: علي عباس فاضل
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وبعد
التقابل الدلالي هو وجه من وجوه البلاغة العربية ويراد به (( وجود لفظتين تحمل إحداهما عكس معنى الأخرى))([1])، أو أنه: ((اختلاف دلالة لفظين أو أكثر اختلافاً عكسياً تضادياً متناقضاً))([2])، أو أنه: ((ثنائيات لفظية مختلفة تقابل ثنائية دلالية تقابلاً متضاداً متناقضاً))([3])، وتقتصر هذه التعريفات على المستوى اللفظي، والتقابل يكون أيضل على مستوى التركيب، وعرف على ذلك بأنه: ((لفظان أو تركيبان أو عبارتان متضادتان أو متخالفتان أو متناقضتان في الدلالة، بحيث يكون أحدهما ضد الآخر أو خلافه أو نقيضه بالمعنى، ويُدرك ذلك بالقرائن الدلالية المتعارف عليها، كالقرينة السياقية أو الحالية أو غيرهما))([4]).
وهذا التعريف أكثر شمولا من غيره، إذ جمع بين اللفظ والتركيب العبارات، وما يكون منها من الضدية.
وإذا ما بحثنا في عبارات الخطبة الشقشقية وجدنا فيها من التقابل بين العبارات وذلك في قول أمير المؤمنين (عليه السلام) ((يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ، وَلا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْر))([5]).
فالانحدار يكون إلى الأسفل وهو انحدار السيل الذي يكون قويا، والرقي يكون نحو الأعلى، ويمثله صعود الطير، ومع هذا لا يرقى إليه (عليه السلام) مهما بلغ، فالتقابل هنا كشف لنا عن المعنى المراد بقول الإمام (عليه السلام) من أنه غاية في العلو والرفعة، التي لا يرقى إليها الطير، وينحدر عنه السيل، فالسيل ينحدر مما هو عالي كالجبال.
ومن التقابل قوله(عليه السلام): ((وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَد جَذَّاءَ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَة عَمْيَاءَ))([6]).
فالتقابل بين الصولة بيد جذاء، وبين الصبر على الطخية العمياء، والصولة هي الحرب وأراد (عليه السلام) أن إما أن احارب بلا ناصر وهي اليد الجذاء، أو أن أصبر على هذه الظلمة العمياء التي لا يُهتدى فيها إلى المطلوب، كما لا يهتدى حين التباس الأمور واختلاطها إلى النهج الحق([7]).
وتتوالى التقابلات في هذه الخطبة التي ومنها قوله: ((يَهْرَمُ فيهَا الكَبيرُ، وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِير))([8])، وقوله: ((فَيَا عَجَباً!! بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُها في حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ))([9])، وقوله: ((إِنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَمَ، وَإِنْ أَسْلَسَ لَهَا تَقَحَّمَ))([10])، فهذه التقابلات الدلالية تكشف عن المعنى العام للعبارات لأن بعض الأمور تعرف بضدها، فاستعمل الإمام (عليه السلام) في هذه الخطبة هذه التقابلات ليوضح كل شيء، فكشف الأمور بكل بلاغة واتقان، فلا حجة بعد هذا لمن يريد أن يعترض.
وختاما نسأل الله العلي القدير أن يجعلنا مع محمد وآل محمد في الدنيا والآخرة، إنه سميع مجيب، وأن الحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
([1]) ظاهرة التقابل في علم الدلالة، د. أحمد نصيؼ الجنابي، مجلة آداب المستنصرية، ع: 10، 1984م: 16.
([2]) علم الدلالة التطبيقي في التراث العربي، د. هادي نهر، دار الأمل، الأردن، ط/1، 2007، 538.
([3]) المصدر نفسه.
([4]) التقابل الدلالي في القرآن الكريم، د. منال صلاح الدين، دار الشؤون الثقافية، بغداد، ط/ 1، 2013م: 41.
([5]) نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 48.
([6]) نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 48.
([7]) ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، الخوئي: 1/ 92.
([8]) نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 48.
([9]) المصدر نفسه: 48.
([10]) المصدر نفسه:: 48- 49.