الباحث: محمد حمزة الخفاجي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أبي القاسم محمد وآله بيته الطيبين الطاهرين، وبعد:
بعد انقضاء تلك الأيام الصعبة في الكوفة، أرسل ابن زياد (عليه اللعنة) بريد يخبر به يزيد (عليه اللعنة) بمقتل الحسين وأسر أهل بيته (عليه وعليهم السلام)، فلما وصل الخبر الى يزيد أمر ابن زياد أن يأتيه بسبايا آل النبي الى الشام، وأمره أيضاً أن يجلب الرؤوس الطاهرة مع الحرم.
وكان الطريق الى الشام من أشد الأيام وأصعبها على السيدة زينب (عليها السلام) حيث العليل والعيال وحر الهجير ونظرة الشامتين فكل ذلك والسيدة زينب تصبر نفسها وعيالها.
روي عن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) أنه قال: (إن عمتي زينب كانت تؤدي صلواتها: الفرائض والنوافل من قيام، عند سير القوم بنا من الكوفة إلى الشام! وفي بعض المنازل كانت تصلي من جلوس! فسألتها عن سبب ذلك؟ فقالت: أصلي النوافل من جلوس لشدة الجوع والضعف، وذلك لأني منذ ثلاث ليال، أوزع ما يعطونني من الطعام على الأطفال، فالقوم لا يدفعون لكل منا إلا رغيفاً واحداً من الخبز في اليوم والليلة)[1].
ولكن دخولها للشام كان الأصعب على قلبها، فقد استقبل الشاميون سبايا آل النبي بالطبول والأهازيج وكأنه يوم عيدهم، فهذا الأمر أحزن السيدة زينب (عليها السلام) إذ أنهم يقتلون ساداتهم ويفرحون بهذه الأفعال، وكأنهم رجعوا الى أيام الجاهلية بل زادت الأمور تعقيداً فقد أظهر يزيد فجوره علناً.
ومن أشد المواقف على نساء آل البيت (عليهم السلام) نظرة الشامتين، لذا طلبت السيدة زينب من ذلك اللعين أن يقدم رأس الإمام الحسين (عليه السلام) كي ينشغل الناس بالنظر اليه فإن مصيبة الحسين (عليه السلام) وحدها بكفة ومصيبة النساء بكفة أخرى، والحسين مهما كان مصابه عظيم إلا أن أسر عياله كان الأشد على قلبه، فبنوا هاشم اعتادوا على الشهادة والقتل في سبيل الله، لكنهم لم يعتادوا على أسر نسائهم فهذه حرائر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومخدراته، بين اُناس أرجاس، إن هذا الأمر أدمى قلوب الهاشميين وقلوب شيعتهم والطيبين من الخلق.
دخول السبايا على يزيد
قبل أن تدخل سبايا آل النبي (صلى الله عليه وآله) على يزيد اللعين أمر خدمه بتزين الدار بأنواع الزينة ونصبوا له سرير مرصع بالذهب والفضة وحوله مشايخ قريش، والنساء والأطفال ينتظرون إذن الدخول وهم في حال لا يوصف، فبعد المسافة وألم الفراق ومعاملة هؤلاء الكفرة كل ذلك قد جرى على آل بيت النبي (صلى الله عليه وآله)، وقد أذنوا للناس اذنا عاما ثم أدخلوا الرؤوس الشريفة يقدمها رأس الحسين بن علي (عليهما السلام) مع العائلة [2].
فهذه الأحداث المؤلمة تركت أثرا كبيرا في قلب العليل فمن الصعب أن يرى الامام (عليه السلام) حال النساء والعيال وهم بذلك الحال الصعب .
قالت فاطمة بنت علي (صلوات الله عليهما): (إن يزيد (لعنه الله) أمر بنساء الحسين (عليه السلام) فحبسن مع علي بن الحسين (عليهما السلام) في محبس لا يكنهم من حر ولا قر حتى تقشرت وجوههم، ولم يرفع ببيت المقدس حجر عن وجه الأرض إلا وجد تحته دم عبيط، وأبصر الناس الشمس على الحيطان حمراء كأنها الملاحف المعصفرة، إلى أن خرج علي بن الحسين (عليهما السلام) بالنسوة، ورد رأس الحسين (عليه السلام) إلى كربلاء)[3].
وكان للإمام السجاد والسيدة زينب (عليها السلام) دور كبير في فضح ذلك الطاغية من خلال تلك الخطب التي جعلت الناس في يقضه بعدما كانوا نيام لا يعرفون الحق من الباطل .
قال السيوطي: (ولما قتل الحسين وبنو أبيه، بعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد فسر بقتلهم أولاً ثم ندم لما مقته المسلمون على ذلك وأبغضه الناس وحق لهم أن يبغضوه)[4].
وقد أمر يزيد اللعين النعمان بن بشير أن يرجع سبايا آل النبي الى مدينة جدهم وقد (خرج بهم وكان يسايرهم بالليل، فيكونون أمامه حيث لا يفوتون طرفه، فإذا نزلوا تنحى عنهم وتفرق هو وأصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم، وينزل منهم بحيث إذا أراد انسان منهم وضوءا أو قضاء حاجة لم يحتشم، فلم يزل ينازلهم في الطريق هكذا ويسألهم عن حوائجهم ويلطفهم حتى دخلوا المدينة)[5].
وكان رجوع السبايا من الشام الى كربلاء ومن ثم أخذهم الحادي الى مدينة جدهم (صلى الله عليه وآله)، والحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
[1] - زينب الكبرى، جعفر النقدي، ص59.
[2] - ينظر كتاب معالي السبطين، الفصل الرابع، المجلس الخامس، ص560.
[3] - الأمالي، الشيخ الصدوق، ص232.
[4] - تاريخ الخلفاء، جلال الدين السيوطي، ص227.
[5] - مقتل الحسين، ابو مخنف: 215.