المُعزَّى بفقد رسول الله (صلى الله عليه وآله)

مقالات وبحوث

المُعزَّى بفقد رسول الله (صلى الله عليه وآله)

4K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 26-10-2019

الباحث: علي عباس فاضل
الحمد لله الذي أنعم علينا بكمال الدين وتمام النعمة، والصلاة والسلام على المبعوث للناس رحمة، وعلى أله خير البرية الطيبين الطاهرين... وبعد
تمر علينا في هذه الأيام ذكرى أليمة على قلوبنا، بكت لها سكان السماوات والأرض، ألا وهي وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، في مثل هذه الأيام عرجت روح رسولنا الكريم إلى باريها، بعد أن اكمل الدين وأتم نعمة الإسلام على المؤمنين.
وخير معزى بهذا المصاب سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء سلام الله عليها التي روي عنها تقول فضة(خادمة الزهراء عليها السلام): جلست سبعة أيام لا يهدأ لها أنين ولا يسكن منها الحنين كل يوم كان بكاؤها أكثر من اليوم الأول فلما كان اليوم الثامن أبدت ما كتمت من الحزن فلم تطق صبراً إذ خرجت وصرخت، فكأنها من فم رسول الله (صلى الله عليه وآله) تنطق، فتبادرت النساء إليها وضج الناس بالبكاء والعويل.
وثم أقبلت تعثر في أذيالها وهي لا تبصر من عبرتها ومن تواتر دمعتها وجاءت من بعد ذلك على قبره وشمت ترابه ودام نحيبها وبكائها إلى أن أغمي عليها وأنشدت هذه الأبيات التالية بعد أن أخذت حفنة من ترابه وشمته :
ماذا على المشتم تربةُ أحمد        أن لا يشتم مدى الزمان غواليا
قل للمغيب تحت أطباق الثرى       أن كنت تسمع صرختي وندائيا
صبت عليَّ مصائب لو أنها         صبت على الأيام صرن لياليا
قد كنت ذات حمىً بظل محمدٍ     لا أخشى من ضيمِ وكان حمىً ليا
فاليوم أخضع للذليل وأَتقي             ضيمي وأدفع ظالمي بردائيا
فإذا بكت قمريةٌ في ليليها      شجناً على غصنِ بكيت صباحيا
فلأجعلنَّ الحزن بعدكَ مؤنسي       ولأجعلنَّ الدمع فيك وشاحيا([1]).
وعلى الرغم من عظيم مصيبتها تكالبت عليها المصائب بعدها من غصب لحقها وضرب لوجهها واسقاط لجنينها، إلى أن فارق الدنيا ملتحقة بأبيها في أيام معدودات، فتعاظمت المصيبة على أمير المؤمنين (عليه السلام) بفراق حبيبين، فمصيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا تزال في حرارتها في فؤاده حتى جاءت مصيبة الزهراء (عليها السلام)، وما حدث في تلك الفترة من تكالب الأمة على هذا البيت الطاهر ومصادرة حقوقهم والنيل منهم، فنجد أمير المؤمنين (عليه السلام) يصور ذلك عند دفن السيدة الزهراء (عليها السلام) مرورا بقبر أبيها، يقول في ذلك: (كالمناجي به رسول الله(صلى الله عليه وآله) عند قبره:
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ عَنِّي، وَعَنِ ابْنَتِكَ النَّازِلَةِ فِي جِوَارِكَ، وَالسَّرِيعَةِ اللَّحَاقِ بِكَ!
قَلَّ يَا رَسُولَ اللهِ، عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي، وَرَقَّ عَنْهَا تَجَلُّدِي، إِلاَّ أَنَّ لِي فِي التَّأَسِّيِ بِعَظِيمِ فُرْقَتِكَ، وَفَادِحِ مُصِيبَتِكَ، مَوْضِعَ تَعَزّ، فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ فِي مَلْحُودَةِ قَبْرِكَ، وَفَاضَتْ بَيْنَ نَحْرِي وَصَدْرِي نَفْسُكَ.
(إنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، فَلَقَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ، وَأُخِذَتِ الرَّهِينَةُ! أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ، وَأَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ، إِلَى أَنْ يَخْتَارَ اللهُ لِي دَارَكَ الَّتِي أَنْتَ بِهَا مُقِيمٌ.
وَسَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ، وَاسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ، هذَا وَلَمْ يَطُلِ الْعَهْدُ، وَلَمْ يَخْلُ مِنْكَ الذِّكْرُ.
وَالْسَّلاَمُ عَلَيْكُمَا سَلاَمَ مُوَدِّع، لاَ قَال وَلاَ سَئم، فَإنْ أَنْصَرِفْ فَلاَ عَنْ مَلاَلَة، وَإِنْ أُقِمْ فَلاَ عَنْ سُوءِ ظَنٍّ بِمَا وَعَدَ اللهُ الصَّابِرِينَ)([2]).
ففي هذا النص يتضح لنا عظم المصيبة التي مرت على أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى أنه ناجى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما حدث له بعده، وبدأ كلامه بالسلام وهذا يشير إلى أن الموتى يردون السلام، ويسمعون ما ننطق به، فكيف لأمير المؤمنين (عليه السلام) أن يشكو همه بمن لا يسمعه، ومن ثم يطلب منه أن يستخبر عن حال أمته وما احدثته بعده من ابنته التي لحقته بسبب ظلمهم لها وعدوانهم عليها، وهذا ما جعل المصيبة تشتد عليه، وقبل هذا يتأسى أمير المؤمنين (عليه السلام) بمصيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليه مقارنة بغيرها من المصائب، فهي أعظم المصائب، وبعد ذلك يتأسى بما جاء به القرآن الكريم بقوله: (إنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، وهي قول الذين آمنوا عندما تحل بهم المصائب قال تعالى: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)([3])، وأي مصيبة أعظم من هذه المصيبة.
وفي الختام نسأل الله العلي القدير أن يجعلنا مع محمد وآل محمد في الدنيا والآخرة، إنه سميع الدعاء.
الهوامش:
([1]) ينظر: ذكرى الشيعة: 2/ 57، المعتبر: 1/ 344- 345، بحار الأنوار: 43/ 175.
([2]) نهج البلاغة: 319- 320.
([3]) سورة البقرة: 156- 157.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2654 Seconds