حقوق الراعي والرعية عند أمير المؤمنين عليه السلام

مقالات وبحوث

حقوق الراعي والرعية عند أمير المؤمنين عليه السلام

16K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 18-11-2019

الباحث: محمد حمزة عباس
الْحَمْدُ لِلَّه الَّذِي عَلَا بِحَوْلِه ودَنَا بِطَوْلِه،  مَانِحِ كُلِّ غَنِيمَةٍ وفَضْلٍ وكَاشِفِ كُلِّ عَظِيمَةٍ وأَزْلٍ . . .  وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله) عَبْدُه ورَسُولُه، أَرْسَلَه لإِنْفَاذِ أَمْرِه وإِنْهَاءِ عُذْرِه وتَقْدِيمِ نُذُرِه . . .
وبعد . . .
هنالك حقوق مشتركة بين الحاكم والرعية كان من الواجب تأديتها، وهذه الحقوق قد فرضها الله على العباد، وقد بين أمير المؤمنين (عليه السلام) في كثير من خطبة هذه الحقوق، ومن تلك الخطب التي وضح فيها أمير المؤمنين (عليه السلام) حق الرعية والراعي قوله (عليه السلام): (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً ولَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ، وتَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ، وتَعْلِيمُكُمْ كَيْلَا تَجْهَلُوا وتَأْدِيبُكُمْ كَيْمَا تَعْلَمُوا، وأَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ فَالْوَفَاءُ بِالْبَيْعَةِ، والنَّصِيحَةُ فِي الْمَشْهَدِ والْمَغِيبِ، والإِجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ والطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُمْ)[1].
فأول حق مفروض على الوالي أن يكون ناصحا للرعية كي لا يضلوا عن جادة الصواب، قال (عليه السلام): (إِنَّه لَيْسَ عَلَى الإِمَامِ إِلَّا مَا حُمِّلَ مِنْ أَمْرِ رَبِّه، الإِبْلَاغُ فِي الْمَوْعِظَةِ، والِاجْتِهَادُ فِي النَّصِيحَةِ، والإِحْيَاءُ لِلسُّنَّةِ، وإِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا، وإِصْدَارُ السُّهْمَانِ عَلَى أَهْلِهَا)[2]. فمن وعظ واجتهد بالنصيحة كان ممن نشر الحق وأدى ما عليه من تكاليف.
وعنه (عليه السلام) أنه قال: (مِنْ وَاجِبِ حُقُوقِ الله عَلَى عِبَادِه، النَّصِيحَةُ بِمَبْلَغِ جُهْدِهِمْ، والتَّعَاوُنُ عَلَى إِقَامَةِ الْحَقِّ بَيْنَهُمْ)[3].
فلا تستقيم الأمور الا بالتعاون بين الراعي والرعية فكلاهما يؤدي حقه فإذا تم ذلك لا شك في الصلاح والاستقامة في جميع الأمور، الاقتصادية، والسياسية، والعكس إذا قصر أحدهما، ستنهدم الدولة وهذا لا شك فيه، والتاريخ شاهد على ما نقول فكم من دولة سقطت بسبب الحكام الضالين.
أما الحق الثاني الذي فرضه الله على الوالي أن يسد جميع حوائجهم المعيشية بحسب القدرة وهذه من أهم الأمور لأن الفاقة تسبب فساد الرعية، فليس كل إنسان قادر على تحمل الجوع والفقر، فالبعض قد يكفر بسبب الفقر، لذا كان من اللازم اشباع الرعية وإلا لا يكون الوالي ناصحا ومؤمنا اذا تسبب في هلاك رعيته.
أما حق الوالي على الرعية الوفاء له، وعدم التكلم عليه سواء في محضره أو في مغيبه، والإجابة له وقت الشدة لأن عدم الإجابة للوالي الناصح تورث الحسرة والندامة وتسبب البلوى.
وكان أمير المؤمنين (عليه السلام)، كثير النصح لرعيته ولكن لا أمر لمن لا يطاع حيث تجرع الإمام عصيان رعيته وهذا ما تبين لنا من خلال خطبه (عليه السلام) فمن خطبة له قال فيها: (أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَعْصِيَةَ النَّاصِحِ الشَّفِيقِ الْعَالِمِ الْمُجَرِّبِ، تُورِثُ الْحَسْرَةَ وتُعْقِبُ النَّدَامَةَ، وقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ فِي هَذِه الْحُكُومَةِ أَمْرِي، ونَخَلْتُ لَكُمْ مَخْزُونَ رَأْيِي، لَوْ كَانَ يُطَاعُ لِقَصِيرٍ أَمْرٌ، فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُخَالِفِينَ الْجُفَاةِ والْمُنَابِذِينَ الْعُصَاةِ، حَتَّى ارْتَابَ النَّاصِحُ بِنُصْحِه وضَنَّ الزَّنْدُ بِقَدْحِه، فَكُنْتُ أَنَا وإِيَّاكُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ:
أَمَرْتُكُمْ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى               فَلَمْ تَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلَّا ضُحَى الْغَدِ)[4].
فهذه الحقوق واضحة لمن تأمل كلامه (عليه السلام) لذا كان من الواجب على الطرفين الانصاف والتعاون لكي يسلم الجميع ويأمن.
وفي الختام نسال الله تعالى أن يعجل فرج مولانا صاحب الأمر.
الهوامش:
[1] - نهج البلاغة، الخطبة: 34/ 79.
[2] - المصدر نفسه، الخطبة: 105 / 152.
[3] - المصدر نفسه، الخطبة: 216 / 334.       
[4] - نهج البلاغة، الخطبة: 35 / 80.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3166 Seconds