شكاية أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله) لمظلوميَّة الزَّهراء (عليها السَّلَام)

مقالات وبحوث

شكاية أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله) لمظلوميَّة الزَّهراء (عليها السَّلَام)

14K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 05-12-2019

الباحث: علي فاضل الخزاعي
ففي بادئ الأمر لابد أن نتقدم بأحر التعازي إلى بقية الله في أرضه المستحفظ من آل مُحَمَّد (عليهم الصَّلَاة والسَّلَام) حُجَّة الله الأعظم الإمام مُحَمَّد ابن الحَسَن العسكري (مكن الله له في الأرض) ونعزي جميع المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها بذكرى شهادة الصِّدِّيقة الطَّاهرة فاطمة الزَّهراء (صلوات الله تعالى وسلامه عليها) ونسأل الله بحقّها: أن يمكن لقائم آل مُحَمَّد (عليهم السَّلَام) في الأرض ويجعلنا من الطَّالبين بثأرها وثأر أهل بيتها مع وليه الإمام المَهْدِيّ قريبًا عاجلًا يا الله يا رحمن يا رحيم.
إذ كانت مولاتنا الزَّهراء (عليها السَّلَام) تتعود على تصبير نفسها للمصيبة العظمى وهي فقد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، حتَّى جاء اليوم الذي التحقت فيه مولاتنا الزّهراء (عليها السَّلَام) به (صلَّى الله عليه وآله)، مما جعل المصيبة  مصيبتين  على أمير المؤمنين (عليه السَّلام):
 الأولى: فقد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، والثانية : في التَّعامل مع مصيبته بفقد الزَّهراء (عليها الصَّلَاة والسَّلَام) وما جرى عليها من ظلمٍ.
فلو تتبعنا النّصوص الشريفة، لتبين لنا حجم الألم الذي كان يشعر به الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) والمُصيبة التي أحلت به إذ بينت النّصوص الشريفة للظّلم الذي أصابها (عليها السَّلَام) من  دفنها سراً، وهضم حقّها قهرًا، ومنع ارثها جهرًا.
فعن أبي عبد الله الإمام الحُسَين بن عَلِيّ (عليهما السَّلَام) قال: (لمّا قبضت فاطمة (عليها السَّلَام) دفنها أمير المؤمنين (عليه السلام) سرّاً وعفّا على موضع قبرها، ثمّ قام فحوّل وجهه إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: (السلام عليك يا رسول الله عنّي، والسَّلَام عليك عن إبنتك وزائرتك والبائتة  في الثرى ببقعتك، والمختار لها الله سرعة اللّحاق بك، قلّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري، وعفا عن سيّدة نساء العالمين تجلّدي، إلاّ أنّ لي في التأسّي بسنّتك في فرقتك موضع تعزٍّ، فلقد وسّدتك  في ملحودة قبرك، وفاضت نفسك بين نحري وصدري، بلى وفي كتاب الله (لي) أنعم القبول، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون، قد استرجعت الوديعة واُخذت الرهينة واُخلست الزّهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء.
يا رسول الله أمّا حزني فسَرمَد وأما ليلي فمسهّد، وهمٌّ لا يبرح من قلبي أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم، كمد مقيّح، وهمٌّ مهيّج سرعان ما فُرِّق بيننا وإلى الله أشكو، وستنبّئك ابنتك بتظافر اُمّتك على هضمها فأحفها السؤال واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثّه سبيلا، وستقول ويحكم الله وهو سلام مودّع لا قال ولا سئم، فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن أقِم فلا عن سوء ظنٍّ بما وعد الله الصابرين، واه واهاً والصَّبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث لزاماً معكوفاً، ولأعولتُ إعوال الثكلى على جليل الرزيّة، فبعين الله تدفن ابنتك سرّاً ويهضم حقّها وتمنع إرثها، ولم يتباعد العهد ولم يخلق منك الذكر، وإلى الله يا رسول الله المشتكى، وفيك يا رسول الله أحسن العزاء، صلَّى الله عليك وعليها السَّلَام والرّضوان)[1].
قال عبد الرّحمن الهمداني: لمّا دفن عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) فَاطِمَة (عليها السَّلَام) قام على شفير القبر وذلك في جوف الليل; لأنّه كان دفنها ليلًا، فأنشأ يقول:
وكل الذي دون الفراق قليلُ ... لكلّ اجتماع من خليلين فرقة.
دليلٌ على ألا يدوم خليلُ ... وإنّ افتقادي فَاطِمًا بعد أحمد.
ويحدث بعدي للخليل خليلُ... سَيُعرِض عن ذكري وتُنسى مودّتي[2].
وعن أبي عبد الله جَعْفَر بن مُحَمَّد، عن آبَائِهِ (عليهم السَّلَام)، إنّ أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) لمّا وضع فَاطِمَة بنت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في القبر قال: (بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله مُحَمّد بن عبد الله (صلَّى الله عليه وآله)، سلّمتك أيّتها الصّدِّيقة إلى من هو أولى بك منّيّ، ورضيت لكِ بما رضي الله تعالى لكِ، ثمّ قرأ ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى[3]﴾[4].
وعليه: تتبين لنا طبيعة الأحداث الأليمة التي مرت بها سيِّدتنا الزَّهراء (عليه السَّلَام) فقد تركت آثارها والآمها على قلب أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) جروحاً عميقة.
فنسأل الله بحق الزَّهراء (عليها الصَّلَاة والسَّلَام) أن يأخذ حقّها ممن ظلمها وأخذ أرثها وأسقط جنينها، بفضل الصَّلَاة على مُحَمَّد وآله، والحمد لله ربّ العالمين.
الهوامش:
[1] الكافي 1: 459; روضة الواعظين، باب وفاة فاطمة الزهراء: 152; مناقب ابن شهر آشوب، باب وفاتها وزيارتها 3: 364.
[2]  روضة الواعظين، باب وفاة فاطمة، وفي باب ذكر الموت أيضاً: 153; مناقب ابن شهر آشوب، باب وفاتها وزيارتها 3: 365; البحار 43: 207; أمالي الصدوق، المجلس 74: 397.
[3] طه: 55.
[4]  مصباح الأنوار: 260; مستدرك الوسائل 2: 323 ح2094; البحار 82: 27.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3398 Seconds