الحاكم بين الإصلاح والفساد
الباحث: علي فاضل الخزاعي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين، أولي الأمر الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
أما بعد...
فإن كثيرًا من الناس الواعية والمثقفة تسال من أين يبدأ الإصلاح؟ هل يكون منشأ الإصلاح من الحكام أم من الشعوب؟
وعند الإجابة عن هذه التساؤلات نقول إن المسؤول الأول هو الحاكم بدليل قول أمير المؤمنين (عليه السلام): (إِذَا تَغَيَّرَ السُّلْطَانُ تَغَيَّرَ الزَّمَانُ)[1].
ففي هذا تنبيه على أن تغير السلطان في رأيه ونيته وفعله في رعيته من العدل إلى الجور يستلزم تغير الزمان عليهم إذ يغير من الإعداد للعدل إلى الإعداد للجور لأنه المسؤول الأول والأخير في إصدار الأحكام لأن تغيره هنا، عبارة عن زيادة ظلمه وشره، وتغير الزمان عليه وعلى رعيته عقوبة له[2].
لذا وجب على الحاكم أن يبتدأ في الاصطلاحات المرتبط بها في رعاية الدولة وشؤونها من خلال الوزراء المرتبطين بحكم الدولة أولاً عبر تنصيب وزراء يعينونه على إدارة البلاد، وتنفيذ القوانين، وهذا يحتاج الى الدقة والتركيز في ترشيح اُولئك الوزراء وأفراد السلطة التنفيذيّة; لما لهم من أثر حسّاس في الأحوال الاجتماعيّة والسياسيّة.
فعليه الحذر من شرار الوزراء الفاسدين لأنهم أساس خراب كيان الدولة ودمارها، وهذا ما نراه في عهد الإمام عليّ (عليه السلام) لمالك الأشتر النخعيّ لمّا ولاّه على مصر حيث قال: ((إِنَّ شَرَّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِلأَشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً، ومَنْ شَرِكَهُمْ فِي الآثَامِ فَلَا يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً، فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الأَثَمَةِ وإِخْوَانُ الظَّلَمَةِ...))[3].
فمن شروط العدالة في تطبيق الشريعة الإسلامية للحاكم هي خلو ولايته من الظلم والفاسدين على ملكه، لأن الإسلام أوكل كثيرًا من القضايا الاجتماعيّة إلى الحاكم وهذا ما نراه في إقامة دولة العدل للحاكم المصلح في خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام): (وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اَلْوَالِي عَلَى اَلْفُرُوجِ وَاَلدِّمَاءِ وَاَلْمَغَانِمِ وَاَلْأَحْكَامِ وَإِمَامَةِ اَلْمُسْلِمِينَ اَلْبَخِيلُ فَتَكُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ وَلاَ اَلْجَاهِلُ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ وَلاَ اَلْجَافِي فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ وَلاَ اَلْحَائِفُ لِلدُّوَلِ فَيَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْمٍ وَلاَ اَلْمُرْتَشِي فِي اَلْحُكْمِ فَيَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ ويَقِفَ بِهَا دُونَ اَلْمَقَاطِعِ وَلاَ اَلْمُعَطِّلُ لِلسُّنَّةِ فَيُهْلِكَ اَلْأُمَّةَ)
لذلك على الحاكم المصلح أن يكون محصناً بكل وسائل القوة والقدرة وحسن السياسة والإدارة على حماية أمن الدولة والشعب وشؤونها المختلفة وهذا ما ورد في نهج البلاغة: (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَذَا الأَمْرِ أَقْوَاهُمْ عَلَيْه، وأَعْلَمُهُمْ، بِأَمْرِ الله فِيه، فَإِنْ شَغَبَ شَاغِبٌ اسْتُعْتِبَ فَإِنْ أَبَى قُوتِلَ..)[4]
فالذي يبعث الفساد والشغب في خراب الدولة وممتلكاتها إن كان من الوزراء أو من الشعب لابد من ردعه ومنعه وهذا إن دل على شيء إنما يدل على إقامة العدل الإلهي في الحكومات التي تنتفض في سبيل الإصلاح من جور الظلمة والظالمين.
فنسأل الله أن يزيل هذه الغمة عن هذه الأمة بفضله وبفضل الصلاة على محمد وآل محمد.
والحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
[1] نهج البلاغة: تحقيق محمد عبده: 3/ 56.
[2] ينظر: تحف العقول عند آل الرسول: ابن شعبة الحراني: 86.
[3] نهج البلاغة: الرسالة 53.
[4] نهج البلاغة: تحقيق صبحي الصالح: 274.