محمد حمزة الخفاجي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ... وبعد ...
قبل أن نتحدث عن هذه الشَّخصيَّة العظيمة لا بد وأن نطل على نسبه الشَّريف (صوات الله وسلامه عليه)، فهو أبو الحسن علي بن محمد الهادي (عليه السَّلَام)، عاشر الأئمَّة المعصومين (عليهم السَّلَام)، أمه سمانة[1]، وقد اختيرت هذه السيدة لتكون الوعاء الذي يحفظ ذلك النور العظيم، وهذا كافٍ لبيان شأنها وجلال قدرها عند الله والمعصومين.
روى محمد بن الفرج بن إبراهيم بن عبد الله بن جعفر، قال: دعاني أبو جعفر محمد بن علي بن موسى (عليهم السلام) فأعلمني أن قافلة قد قدمت، وفيها نخاس، معه جوار، ودفع إلي سبعين دينارا، وأمرني بابتياع جارية وصفها لي، فمضيت وعملت بما أمرني به، فكانت تلك الجارية أم أبي الحسن (عليه السلام)[2].
ولد الإمام الهادي (عليه السلام) في رجب سنة أربع عشرة ومائتين [3]، وقيل إنه ولد من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة ومائتين[4]، ومما يؤيد أن ولادته في رجب رواية الكفعمي، قال ابن عياش: وخرج أيضا من الناحية المقدسة على يد الشيخ أبو القاسم الحسين روح هذا الدعاء في أيام رجب: (اَللّهُمَّ اِنّي اَساَلُكَ بِالمَوْلُودَيْنِ في رَجَب مُحَمَّد بْنِ عَليٍّ الثاني وَابْنِهِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّد المُنْتَجَبِ)[5].
البشارة في ميلاده
لم يزل النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ) يبشر أهل بيته وأصحابه بالأئمة الميامين (صلوات الله عليهم أجمعين)، وقد أهدى النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) للسَّيِّدة فَاطِمَة الزَّهَرَاء (عليها السَّلَام) لوح فيه أسماء الحجج الكرام، قال جابر الأنصاري: (قلت لفاطمة: أسماء من هؤلاء؟ قالت: هذه أسماء الأوصياء، أولهم ابن عمي وأحد عشر من ولدي آخرهم القائم، قال جابر: فرأيت فيها: مُحَمَّدًا مُحَمَّدًا مُحَمَّدًا - في ثلاثة مواضع - وعَلِيًّا عَلِيًّا عَلِيًّا عَلِيًّا – في أربعة مواضع)[6].
لم يحجب الله (عزَّ وجلّ) هؤلاء الكرام عن رسوله (صلَّى الله عليه وآله)، بل اطّلعه على أسمائهم وخصالهم (عليهم أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، فهم ورثة علمه وكهوف أسراره، قد ورثوا من جدّهم جميع المحاسن المُحَمَّديَّة والخصال الهاشميَّة لذا نالوا هذا الشرف حتى صاروا حجة الله على خلقه، يروى عن الإمام الحُسَين (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) أنّه قال: (دخلت على رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وعنده أُبي بن كعب فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): مرحبا بك يا أبا عبد الله يا زين السماوات والأرضين، قال له أُبي: وكيف يكون يا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) زين السَّماوات والأرضين أحد غيرك ؟ قال: يا أُبي والذي بعثني بالحق نبيا إن الحسين بن علي في السمَّاء أكبر منه في الأرض وإنه لمكتوب عن يمين عرش الله (عز وجل): مصباح هدى وسفينة نجاة وإمام خير ويمن وعز وفخر وعلم وذخر وإن الله عز وجل ركب في صلبه نطفة طيّبة مباركة زكية – الى أن قال - وإن الله تعالى ركب في صلبه [يعني في صلب الإمام الجواد (صلوات الله تعالى وسلامه عليه)] نطفة لا باغية ولا طاغية بارة مباركة طيبة طاهرة سمَّاها عنده عَلِيّ بن مُحَمَّد، فالبسها السَّكِينَة والوقار وأودعها العلوم وكلّ سرّ مكتوم ...)[7].
وكان للإمام الهادي (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) أثر كبير في هداية النَّاس، لذا لُقّب بهذا اللقب، فكان (عليه الصَّلَاة والسَّلَام) نور الله تعالى في أرضه وسبيل هدايته ومن المواقف التي توضّح ذلك أن الحاكم العباسيّ المتوكل أمر جلاوزته بإحضار الإمام وكان المتوكل مخمورا فأمر الإمام أن ينشد له بيتًا من الشَّعر فأنشد (عليه السَّلَام) قائلاً:
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم * غلب الرّجال فلم تنفعهم القلل.
واستنزلوا بعد عز من معاقلهم * وأسكنوا حفرا يا بئسما نزلوا.
ناداهم صارخ من بعد دفنهم * أين الأساور والتيجان والحلل.
أين الوجوه التي كانت منعمة * من دونها تضرب الأستار والكلل.
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم * تلك الوجوه عليها الدود تقتتل.
قد طال ما أكلوا دهرًا وقد شربوا * وأصبحوا اليوم بعد الأكل قد أكلوا.
قال: فبكى الحاكم العباسيّ حتى بلّت لحيته دموع عينيه، وبكى الحاضرون، ودفع إلى علي (عليه السلام) أربعة آلاف دينار، ثم رده إلى منزله مكرَّمًا[8].
فكان (عليه السَّلَام) إماماً هاديًا مهديًّا تقيًّا نقيًّا ورعًا زكيًّا، قد شهد بفضله الخلائق، فنسأل الله تعالى بهذا المولود المبارك أن يمنّ علينا برحمته ورضوانه...
الهوامش:
[1] - الإرشاد: 2 / 297، قال الشيخ المفيد: وأمه أم ولد يقال لها: سمانة.
[2] - دلائل الإمامة: محمد بن جرير الطبري (الشيعي): 410.
[3] - في الكافي قولان فالأول للنصف من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة ومائتين، وروي أنه ولد (عليه السلام)، في رجب أربع عشرة ومائتين، الكافي: 1 / 497.
[4] - ينظر الإرشاد: 2 / 297.
[5] - المصباح ( جنة الأمان الواقية وجنة الإيمان الباقية )، الشيخ إبراهيم الكفعمي: 530.
[6] - كمال الدين وتمام النعمة: 311.
[7] - عيون أخبار الإمام الرضا (عليه السلام): 1 /62 - 64.
[8] - يُنظر: بحار الأنوار: 50 / 212.