عمَّار حسن الخزاعي
يكاد أن يتَّفق المسلمون في عقيدة المهدي (عليه السلام)، وأنَّه يخرج في آخر الزمان بعد أن يسيطر على الأرض الظلم والطغيان، وهناك يبعث الله تعالى رجلٌ من عترة النبي محمَّد (صلى الله عليه وآله) فيقيم دولة العدل الإلهي، التي يتكامل فيها الإنسان عندما يصبح عبدًا خالصًا لله تعالى، وهذه العقيدة يتَّفق فيها المسلمون على اختلاف مشاربهم الفكرية والمذهبيَّة، إلَّا من شذَّ منهم، وهم قلةٌ قليلةٌ بدأت تظهر لهم كلمات في القنوات الفضائية ومواقع التوصل الاجتماعي بإنكار هذه العقيدة، وتعليل ذلك أنَّهم يقولون: أنَّ هذه العقيدة وضعت من أجل تهوين المسلمين وتضعيف قوتهم، وذلك بأنَّ لهم دولة في آخر الزمان، ولا حاجة بأن يجمعوا قوتهم ويقيمون دولتهم ويُقاومون عدوهم؛ لأنَّ الوعد لم يحن ومهديهم لم يظهر، وعلى أساس ذلك فإنَّهم ينتظرون ظهور خليفتهم، وبذلك تكون عقيدة المهدي (عليه السلام) عامل فتور وضعف واستكانة للمسلمين . ومن جهةٍ أُخرى تعمل فئة منهم على تسويق هذه العقيدة على أنَّها عقيدة خاصَّة بالشيعة الاثني عشريَّة، ولا علاقة لباقي المسلمين بها .
ولدفع هذا الوهم نسوق بعض الأحاديث التي نقلتها مدونات المسلمين على اختلاف مناهجهم الفكرية والمذهبية في عقيدة المهدي (عليه السلام) مسندة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، تنصُّ على أنَّ المهدي (عليه السلام) عقيدة يجتمع فيها جميع المسلمين، إلَّا في مسائل طفيفة، وأمَّا الأصل فهم مجمعون عليه، وسنسوق بعض أركان هذه العقيدة المقدَّسة التي تكون محلَّ اجماعٍ بين المسلمين معتمدين في ذلك على الروايات الصحيحة، على وفق النقاط الآتية:
1. إنَّ المهدي (عليه السلام) خليفة يحكم المسلمين، وهو من عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من ولد فاطمة (عليها السلام)، وفي هذا المعنى ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الصحيح قوله: ((المَهْدِيُّ من عِتْرتِي، من ولد فاطمة))([1])، وأيضًا قوله:((الْمَهْدِيُّ مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ))([2])، وهو صحيح أيضًا([3]) .
2. بشَّر رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بالمهديِّ وأنَّه يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما مُلئت ظلمًا وجورا، وهذه الحيثية لها دلالات كثيرة من السُّنة النبويَّة، وسنذكر بعضًا منها، ومن ذلك ما ورد عن الرسول (صلى الله عليه وآله) قوله: ((أبشركم بالمهدي، يَبْعَثهُ الله فِي أمتِي على اخْتِلَاف من الزَّمَان وزلازل، فَيمْلَأ الأَرْض قسطاً وعدلاً كَمَا ملئت جوراً وظلماً، ويرضى عَنهُ ساكنو السَّمَاء وساكنو الأَرْض، يقسِّم الأَرْض ضحاحاً، فَقَالَ لَهُ رجل: مَا ضحاحا قَالَ: بِالسَّوِيَّةِ بَين النَّاس))([4])، وفي هذا المعنى ورد عن الرسول (صلى الله عليه وآله) في الصحيح قوله: ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَمْتَلِئَ الْأَرْضُ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا " قَالَ: " ثُمَّ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ عِتْرَتِي - أَوْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي - مَنْ يَمْلَؤُهَا قِسْطًا وَعَدْلًا، كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا))([5])
3. إنَّ الأرض تُخرج كنوزها والسَّماء تُنزل غيثها، ويعمُّ الرخاء، وتعظم الدولة في عهد المهدي (عليه السلام)، وفي هذا المعنى يقول رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) في الصحيح: ((يَخْرُجُ فِي آخِرِ أُمَّتِي الْمَهْدِيُّ، يَسْقِيهِ اللهُ الْغَيْثَ، وَتُخْرِجُ الْأَرْضُ نَبَاتَهَا، وَيُعْطِي الْمَالَ صِحَاحًا، وَتَكْثُرُ الْمَاشِيَةُ، وَتَعْظُمُ الْأُمَّةُ))([6]) .
4. هناك علامات تظهر قبل ظهور المهدي (عليه السلام) وبعده، وهي كثيرة ومختلف في بعضها، وممَّا هو مجمع عليه ما ورد في قول النبي محمَّد (صلى الله عليه وآله) في قوله عندما ذُكرت السَّاعة: ((إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْا قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ: فَذَكَرَ الدُّخَانَ, وَالدَّجَّالَ, وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا, وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم -... وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ...))([7])، فالدجال ودابة الأرض وطلوع الشمس من المغرب تكون بعد الظهور المقدَّس .
5. يخرج المهدي (عليه السلام) في عدَّة أصحاب يُقدَّرون بعدَّة أهل بدر وبعدد أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر، وقد ورد في الصحيح عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في هذا المعنى قوله: ((ذَاكَ يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ... فَيَجْمَعُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ قَوْمًا قُزُعًا كَقَزَعِ السَّحَابِ، يُؤَلِّفُ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَا يَسْتَوْحِشُونَ إِلَى أَحَدٍ، وَلَا يَفْرَحُونَ بِأَحَدٍ، يَدْخُلُ فِيهِمْ عَلَى عِدَّةُ أَصْحَابِ بَدْرٍ، لَمْ يَسْبِقْهُمُ الْأَوَّلُونَ وَلَا يُدْرِكُهُمُ الْآخِرُونَ، وَعَلَى عَدَدِ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهَرَ))([8]) .
6. من آيات المهدي وفضله وجلالة قدره أنَّ رسول الله عيسى بن مريم (عليه السلام) يُصلِّي خلفه، ويكون هو أمامه، وقد رود بهذا القصد في الصحيح قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((مِنَّا الَّذِي يُصَلِّي عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ خَلْفَهُ))([9])، وفي الصحيح أيضًا قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((كَيْفَ بِكُمْ إِذَا نَزَلَ فِيكُمْ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ))([10]) .
7. الأمر بالبيعة للمهدي من لدن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفي هذا ورد في الصحيح عنه (صلى الله عليه وآله): ((إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَبَايِعُوهُ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ، فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اللَّهِ الْمَهْدِيُّ))([11])، والحبوان: أن يمشي الإنسان على يَدَيْهِ وركبتيه، وَذَلِكَ صَعب جدًا سِيمَا على الثَّلج، أَي يَأْتِيهِ الْإِنْسَان وَلَو بلغه أَشد الصعوبات .
8. اسم المهدي محمَّد، وأمَّا المهدي فهو لقبه (عليه السلام)، وبذلك يتوافق اسمه مع اسم نبيِّنا (صلى الله عليه وآله)، وقد ورد في الحديث الحسن الصحيح قوله (صلى الله عليه وآله): ((لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا - أَو قَالَ: لَا تَنْقَضِي الدُّنْيَا - حَتَّى يَمْلِكَ الْعَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي))([12])، وفي رواية أُخرى أنَّ خُلق المهدي يشبه خُلق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذلك بقوله: ((يخرج رجل من أمتي، يواطئ اسْمُهُ اسْمِي، وَخُلُقُهُ خُلُقِي، فَيَمْلَؤُهَا قِسْطًا وَعَدْلًا كما ملئت ظلما وجورا))([13]) .
هذه بعض الإشارات التي سمح بها المقام، وإلَّا فالحال تطول بذكر أضعاف الشواهد التي مرَّت آنفًا، وقد توخَّيتُ بالروايات الصحيحة التي نصَّ المحققون على صحَّتها عدا آخر رواية فقد ورد فيها كلام، وأمَّا الروايات الأخرى فإنَّها صحيحة بحسب تعليقات المدققين من العلماء في السَّند، وبذلك يكون المسلمون متَّفقين في أنَّ المهديَّ (عليه السلام) إمامٌ وخليفة يحكم قبل القيامة من نسل فاطمة (عليه السلام)، اسمه اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يحكم حين تمتلئ الأرض ظلمًا وجورا فيملؤها قسطًا وعدلا، بشَّر به النبي، وأمر بالبيعة له ولو زحفًا على الثلج، تكون بعد ظهوره علامات منها: الدجال وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم (عليهما السلام)، الذي يُصلِّي خلفه، ويكون عصره عصر خير ووفرة في الأموال، ودولته عزيزة قويَّة .
وهذه المشتركات تشكِّل نسبةً عاليةً بين المسلمين في عقيدة المهدي (عليه السلام)، ومع ذلك كُلِّه فهناك أطرافًا تكيد بالمسلمين شرًّا تُحاول أن تُصدِّر عقيدة المهدي (عليه السلام) على أنَّها عقيدة خاصَّة بالشيعة، وتختصره بالسرداب وأنَّه غائبٌ فيه كذبًا وبهتانًا منهم وإضلالًا للنَّاس، وصدًّا للمسلمين عن هذه العقيدة المهمَّة، ومن هنا أدعو كلَّ من يصل إليه كلامي بأن يقرأ ويبحث ويُتابع حول موضوع المهدي؛ لكي لا يكون من المنكرين له والعياذ بالله تعالى، أو المستخفِّين بهذه العقيدة عافانا الله وإيَّاكم منهم، وفي الختام نسأل الله تعالى أن نكون من أنصار المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) صدقًا وعدلا، وأن يهدي الله تعالى جميع المسلمين إلى سبيل الهداية والصلاح بحقِّ محمَّدٍ وآله الطاهرين.
الهوامش:
([1]) مختصر سنن أبي داود، الحافظ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري (ت: 656 هـ): 3/116 .
([2]) كتاب الفتن، أبو عبد الله نعيم بن حماد الخزاعي المروزي (ت: 228هـ): 1/374 ، سنن ابن ماجه، ابن ماجة (ت: 273هـ): 2/1268 ،
([3]) حاشية السندي على سنن ابن ماجه، محمد بن عبد الهادي التتوي (ت: 1138هـ): 2/519 .
([4]) الدر المنثور، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (ت: 911هـ): 483 .
([5]) مسند الإمام أحمد بن حنبل، أبو عبد الله أحمد بن محمد (ت: 241هـ): 17/416 .
([6]) المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله الحاكم النيسابوري (ت: 405هـ): 4/601 ، الجامع الصحيح للسنن والمسانيد، صهيب عبد الجبار: 2/432 .
([7]) مسند أبي داود الطيالسي، أبو داود الطيالسي البصرى (ت: 204هـ): 2/394 .
([8]) المستدرك على الصحيحين: 4/95 .
([9]) الجامع الصحيح للسنن والمسانيد، صهيب عبد الجبار: 2/433 ، فيض القدير شرح الجامع الصغير، زين الدين محمد، (ت: 1031هـ): 6/17 .
([10]) مسند الإمام أحمد بن حنبل: 14/152 .
([11]) المستدرك على الصحيحين: 4/510 .
([12]) مسند الإمام أحمد بن حنبل: 6/45 .
([13]) الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، محمد بن حبان أبو حاتم، الدارمي، البُستي (ت: 354هـ): 15/238 .