مولد سبط النَّبيّ ونجل الوصيّ (صلَّى الله عليهما وآلهما) الإمام الحَسَن المُجْتَبَى (عليه السَّلَام).

مقالات وبحوث

مولد سبط النَّبيّ ونجل الوصيّ (صلَّى الله عليهما وآلهما) الإمام الحَسَن المُجْتَبَى (عليه السَّلَام).

5K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 08-05-2020

هشام مَكّيّ خَضيّر الطَّائِيّ
الحمد لله الواحد الأحد، والصَّلَاة والسَّلَام على خير الخلق وحبيبه المُصْطَفَى مُحَمَّد وآلهِ الذين لا يساويهم من الخلق أحد...وبعد

هناك مناسبات عظيمة في السنة الهجرية على الموالين للنَّبيّ وآله الأطهار (صلَّى الله عليه وآله)، فمنها في الخامس عشر من رمضان، وهي: (ولادة الإمام الحَسَن المُجْتَبَى (عليه السَّلَام)).

اسمه (عليه السَّلَام) ونسبه الشريف:

هو: الإمام السبط الحَسَن بن الإمام عَلِيّ بن – عبد مناف- أبي طالب (عليهما السَّلَام)، بن عبد المطلب، بن هاشم، بن عبد مناف، وأُمّه سيِّدة نساء العالمين السَّيِّدة فَاطِمَة بنت مُحَمَّد خاتم النَّبيِّين (صلَّى الله عليه وآله الطَّاهرين)، وهو السّبط الأكبر لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وكان يدعوه وأخاه الإمام الحُسَين (عليهما السَّلَام) بالبنوّة، فيقول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لابنته السَّيِّدة فَاطِمَة الزَّهرَاء (عليها أفضل الصَّلَاة والسَّلَام): (ادعي لي ابنيّ)، وقد نطق القرآن بذلك في آية المباهلة فقال عزّ من قائل: ﴿فَقُل تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ﴾[1] إذ عناهما (صلوات الله تعالى وسلامه عليهما)[2].

ولادته (عليه السَّلَام):

 ولد الإمام الحَسَن (عليه السَّلَام) بمدينة جدِّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) –في المدينة المنوَّرة- في الخامس عشر من شهر رمضان المبارك سنة اثنتين من الهجرة، وتربّى هو وأخوه  الإمام الحُسَين الشَّهِيد (عليهما أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) على يد جدّهما رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)[3].

هبوط جبرئيل (عليه السَّلَام) وأمر تسميته (عليه السَّلَام):

إنَّ المتحدّث عن مكانة آل بيت النَّبوَّة (صلوات الله تعالى وسلامه عليهم) ومناقبهم وفضائلهم عند الله تعالى لا يصل إلى حدٍّ في الحديث عن هذه المكانة العظيمة الجليلة، فمنها:

أنَّه لمَّا وُلِد الإمام الحَسَن المُجْتَبَى (عليه السَّلَام)، قال النَّبيّ الأكرم مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله) لوصيّه وأخيه الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (صلوات الله تعالى وسلامه عليه): ((بأي شيء سميت ابني؟ قال: ما كنت أسبقك باسمه يا رسول الله، قد كنت أحب أن اسميه حربا، فقال النَّبيّ (صلَّى الله عليه وآله): ولا أسبق أنا باسمه ربي ثم هبط جبرائيل (عليه السَّلَام)، فقال: يا مُحَمَّد، العَلِيّ الأعلى يقرئك السَّلَام ويقول: عَلِيّ منك بمنزلة هارون من موسى، ولا نبي بعدك، سم ابنك هذا باسم ابن هارون، قال النبي (صلَّى الله عليه وآله): وما اسم ابن هارون؟ قال: شبر، قال النَّبي (صلَّى الله عليه وآله): لساني عربي، قال جبرائيل (عليه السَّلَام): سمّه الحَسَن، فسمَّاه الحَسَن (عليه السَّلَام))[4].

كنيته (عليه السَّلَام) وألقابه:

 كان الإمام (عليه السَّلَام) يكنى بـ(أبي مُحَمَّد)، ويلقب بألقاب عدّة منها: المجتبى، والسَّيِّد، والسّبط الأَوَّل، والأمين، والحُجَّة، والبر، والتَّقيّ، والأثير، والزَّكيّ، والزَّاهد، وكريم أهل البيت (عليهم أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) وغيرها[5].

إمامته (عليه السَّلَام):

  إن الإمام المُجتَبَى (عليه السَّلَام) هو رابع أصحاب الكساء (عليهم السَّلَام) وثاني أئِمَّة أهل بيت النَّبيّ الأكرم (صلَّى الله عليه وآله)، وقد تصدّى (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) للإمامة وكان عمره الشريف المبارك آنذاك (37) سنة، وتمتدّ إمامته الشَّرعيَّة عشر سنوات، وكانت وصيِّة أبيه أمير المؤمنين (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) إليه من بعده، وقد ورد النص عليه بالخصوص في عدّة روايات، منها[6]: ما جاء في كتاب الشيخ الكليني عن سليم بن قيس، قال: (شهدت وصيّة أمير المؤمنين (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) حين أوصى إلى ابنه الإمام الحَسَن المُجْتَبَى (عليه السَّلَام)، وأشهدَ على وصيّته الحُسَين (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) ومُحَمّدًا وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثمّ دفع إليه الكتاب والسَّلَاح وقال لابنه الإمام الحَسَن المُجْتَبَى (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام): ((يا بني، أمرني رسول الله أن أُوصي إليك وأن أدفع إليك كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحُسَين))، ثمّ أقبل (عليه السَّلَام) على ابنه الحُسَين (عليه السَّلَام)، فقال: ((وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك هذا))، ثمّ أخذ بيد عَلِيّ بن الحُسَين (عليهم السَّلَام) وقال: ((وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك مُحَمّد بن عَلِيّ، واقرأه من رسول الله ومنِّيّ السَّلَام)))[7].

مما قاله فيه (عليه السَّلَام) جدّه المُصْطَفَى (صلَّى الله عليه وآله) ومنزلته عنده:

كانت مكانة الإمام الحَسَن المُجْتَبَى (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) عند جدّه مُحَمَّد المُصْطَفَى (صلَّى الله تعالى عليه وآله)، كبيرة جدًّا كما لأبويه الإمام عَلِيّ والسَّيِّدة الزَّهراء ولأخيه الإمام الحُسَين (صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين) عنده (صلَّى الله عليه وآله)، وهناك العديد من الرّوايات التي تدلّ وتبيّن هذه المكانة والمنزلة العظيمة لهم (صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين)، فمنها: قوله (صلَّى الله تعالى عليه وآله) لابنته السَّيِّدة فَاطِمَة الزَّهرَاء البتول (عليها أفضل الصَّلَاة والسَّلَام): (أبوك خير الأنبياء، وبعلك خير الأوصياء، وأنتِ سيِّدة نساء العالمين، الحَسَن والحُسَين (عليهما السَّلَام) سيِّدَا شباب أهل الجنَّة، وأبوهما خير منهما)[8].

ومنها: قال النبَّيّ (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم) لسبطه الإمام الحَسَن المُجْتَبى (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام): (اللَّهم إنّي أُحبُّه، فأَحِبَّه وأحِبَّ من يُحبُّه)[9].

 وقال (صلَّى الله تعالى عليه وآله) فيه وفي أخيه الإمام الحُسَين (عليهما أفضل الصَّلَاة والسَّلَام): (هما ريحانتاي من الدُّنيا)[10].

 فهذه المنزلة العظيمة والكبيرة للإمام السّبط الحَسَن المُجْتَبَى (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) عند جدّه مُحَمَّد المُصْطَفَى (صلَّى الله تعالى عليه وآله)، تُعَد من إحدى مناقبه (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) التي لا تُعد ولا تُحصى.

فضل زيارته (عليه السَّلَام):

 لا يخفى أن شرف الزّيارة وكمالها وثوابها يدور مدار شرف المزور وكماله وقربه عند الله تعالى، فكلما كان قربه إلى الله تعالى وأصالته بالعوالم الغيبة أقوى وأكمل تكون كذلك مرتبة زيارته حتى تكون زيارته كزيارة الله تعالى تنزيلًا تشريفيًا لا حقيقيًا حتى يقال: أَنَّه محال بالنّسبة إليه (عزَّ وجلّ) ، ففضلٌ زيارة الإمام الحَسَن المُجتَبَى (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) كفضل من زار جدّه المُصطَفَى (صلَّى الله عليه وآله) وأباه المُرتَضَى وأخاه سيد الشُهَدَاء (عليهما السَّلَام)[11]، فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) للإمام الحَسَن المُجْتَبَى (عليه السَّلَام): (من زارني حيًّا أو ميِّتًا، أو زار أباك حيًّا أو ميِّتًا، أو زار أخاك حيًّا أو ميِّتًا، أو زارك حيًّا أو ميِّتًا، كان حقًا عَلَيَّ استنقذه يوم القيامة)[12]، وهذه أيضًا منقبة من مناقبه وفضيلة من فضائله (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام).

عبادته (عليه السَّلَام):

 كان الإمام السبط الحَسَن المجتبى (صلوات الله تعالى وسلامه عليه)، إمامًا حقًّا مؤمنًا عابدًا لله تعالى، وخير من أخلف أبيه الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام)، ليكون إمامًا لأُمَّة جدّه المُصْطَفَى (صلَّى الله تعالى عليه وآله)، فجاء عن المفضل بن عمر، قال: (قال الصَّادق (عليه السَّلَام): حدثني أبي، عن أبيه (عليهما السَّلَام): (أن الحَسَن بن عَلِيّ بن أبي طالب (عليهما السَّلَام) كان أعبد النَّاس في زمانه، وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا حج حج ماشيًا وربما مشى حافيًا، وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر البعث والنشور بكى وإذا ذكر الممر على الصِّراط بكى، وإذا ذكر العرض على الله (تعالى ذكره) شهق شهقة يُغشى عليه منها. وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربّه (عزَّ وجلّ)، وكان إذا ذكر الجنة والنَّار اضطرب اضطراب السَّلِيم، وسأل الله تعالى الجنَّة، وتعوذ به من النَّار، وكان (عليه السَّلَام) لا يقرأ من كتاب الله (عزَّ وجلّ): (يا أيها الذين آمنوا)، إِلَّا قال (عليه السَّلَام): ((لبيك اللهمَّ لبيك))، ولم يرَ في شيء من أحواله إِلِّا ذاكرًا لله سبحانه، وكان أصدق النَّاس لهجة، وأفصحهم منطقًا)[13].

 وهذا ما هو إلَّا الشيء اليسير والمختصر عن شخصيَّة الإمام الحَسَن المُجْتَبَى (صلوات الله تعالى وسلامه عليه)، ونسأل الله تعالى أن يتقبَّله منَّا بأحسن قبول، ولعن الله تعالى أعداء النَّبيّ مُحَمَّد وآله الأطهار (صلَّى الله  تعالى عليه وآله) إنَّه سميعٌ مُجِيب...
الهوامش:
[1] آل عمران: 61.
[2] ينظر: المقنعة، الشيخ المفيد: 464، موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام): 1/29.
[3] ينظر: ملاذ الاخيار في تهذيب الاخبار، العلَّامة المَجلسيّ: 9/100.
[4] الأنوار البهية، الشيخ عبَّاس القُمّيّ: 85-86.
[5] يُنظر: منهاج الصَّالحين، الشيخ وحيد الخراساني: 1/311.
[6] ينظر: المصدر نفسه: 1/29.
[7] الكافي، الشيخ الكليني: 1/297-298.
[8] جواهر الفقه، القاضي ابن البراج: 249.
[9] موسوعة طبقات الفقهاء: 1/22.
[10] المصدر نفسه: 1/22.
[11] يُنظر: مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام، السَّيِّد عبد الأعلى السبزواري: 15/35.
[12] منتهى المطلب، العلامة الحلي: 2/891.
[13] الأمالي، الشيخ الصدوق: 244.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2448 Seconds