الباحث: علي عباس فاضل
الحمد لله ربّ العالمين والصَّلَاة والسَّلَام على خير خلق الله أجمعين أبي القاسم مُحَمَّدٍ وآله الطَّيِّبين الطَّاهرين، وبعد...
الصلاة عماد الدين، وروح الإيمان، وهي من أفضل العبادات تقربا إلى الله سبحانه، وقد أنزل الله سبحانه آيات كثيرة في الحث على الصلاة والمحافظة عليها، قال تعالى : (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا)([1])، وقال جل اسمه: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)([2]) وأخذت الصلاة مكانا كبيرا في وصايا الأنبياء والأوصياء، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إِذَا قَامَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ فِي صَلَاتِه نَظَرَ اللَّه إِلَيْه أَوْ قَالَ أَقْبَلَ اللَّه عَلَيْه حَتَّى يَنْصَرِفَ وأَظَلَّتْه الرَّحْمَةُ مِنْ فَوْقِ رَأْسِه إِلَى أُفُقِ السَّمَاءِ والْمَلَائِكَةُ تَحُفُّه مِنْ حَوْلِه إِلَى أُفُقِ السَّمَاءِ ووَكَّلَ اللَّه بِه مَلَكاً قَائِماً عَلَى رَأْسِه يَقُولُ لَه أَيُّهَا الْمُصَلِّي لَوْ تَعْلَمُ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ ومَنْ تُنَاجِي مَا الْتَفَتَّ ولَا زِلْتَ مِنْ مَوْضِعِكَ أَبَداً)([3])، وروي عن الإمام الصَّادِق (عليه السَّلَام): (أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّه (عَزَّ وجَلَّ) الصَّلَاةُ، وهِيَ آخِرُ وَصَايَا الأَنْبِيَاءِ)([4]).
وكان أهل البيت (عليهم السَّلَام) يكثرون من الصَّلَاة ليلا ونهارًا، فهم خيرة خلق الله، وقد عرف عن الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام) كثرة صلاته، وقد شهد بذلك المخالف قبل المحب، ذكر ابن الأثير في أد الغابة: (وكان الحُسَين [عليه السَّلَام] فاضلاً، كثير الصوم، والصلاة، والحج، والصدقة، وأفعال الخير جميعها)([5]).
ومن الدروس العظيمة التي حث عليها الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام) في ثورته ضد الظلم والطغيان، هو المواظبة على الصلاة والحفاظ عليها حتى في أشد الظروف التي يمر بها المؤمن، فلا انقطاع عنها مهما حصل، وهذا ما جسده (عليه السَّلَام) في واقعة الطف، إذ السيوف تهتز والرماح مشرعة، والقتل والقتال في كل موضع، ومع ذلك كله، كان للصلاة وقتها ومحلها عند الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام)، فهي جزء من مشروعه الإصلاحي لأمة جده (صلَّى الله عليه وآله)، ففي اليوم التاسع من المحرم قال الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام) لأخيه أبي الفضل العبَّاس (عليه السَّلَام): (ارجِع إلَيهِم، فَإِنِ استَطَعتَ أن تُؤَخِّرَهُم إلى غُدوَةٍ وتَدفَعَهُم عِندَ العَشِيَّةِ؛ لَعَلَّنا نُصَلّي لِرَبِّنَا اللَّيلَةَ، ونَدعوهُ ونَستَغفِرُهُ، فَهُوَ يَعلَمُ أنّي قَد كُنتُ احِبُّ الصَّلاةَ لَهُ، وتِلاوَةَ كِتابِهِ، وكَثرَةَ الدُّعاءِ وَالاستِغفارِ(([6]).
فالإمام (عليه السَّلَام) طلب تأجيل الحرب لإقامة الصلاة والاستغفار والدعاء إلى الله تعالى، وهذه الأمور كان يقيمها الإمام الحسين (عليه السلام) في كل يوم وليس في هذا اليوم فقط. وفي اليوم العاشر ومع اشتداد الحرب والقتال واستشهاد بعض الأصحاب، والعطش الذي أخذ مأخذه من الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه، إذ روي (حضر وقت صلاة الظهر فقال أبو ثمامة الصيداوي للحسين ع يا أبا عبد الله نفسي لنفسك الفداء هؤلاء اقتربوا منك ولا والله ولا تقتل حتى أقتل دونك وأحب أن القى الله ربي وقد صليت هذه الصلاة فرفع الحسين (عليه السلام) رأسه إلى السماء وقال ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين نعم هذا أول وقتها ثم قال سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي ففعلوا فقال لهم الحصين بن تميم إنها لا تقبل فقال له حبيب بن مظاهر زعمت لا تقبل الصلاة من آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتقبل منكم يا خمار فحمل عليه الحصين وحمل عليه حبيب فضرب وجه فرسه بالسيف فشب به الفرس ووقع عنه الحصين فاستنقذه أصحابه وشدوا على حبيب فقتل رجلا منهم وقال الحسين (عليه السلام) لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله تقدما أمامي حتى أصلي الظهر فتقدما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتى صلى بهم صلاة الخوف فوصل إلى الحسين (عليه السلام) سهم فتقدم سعيد بن عبد الله ووقف يقيه النبال بنفسه ما زال ولا تخطى فما زال يرمى بالنبل حتى سقط إلى الأرض وهو يقول اللهم العنهم لعن عاد وثمود اللهم أبلغ نبيك عني السلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح فاني أردت ثوابك في نصر ذرية نبيك ثم قضى نحبه رضوان الله عليه فوجد فيه ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح)([7]).
هذا درس من الدروس الكثيرة التي اشتملت عليه هذه الثورة العظيمة، وهو المواظبة على الصلاة والحفاظ عليها وإقامتها في أوقاتها، مهما بلغ الأمر بالمؤمن، فلا موقف أشد من الحرب، ومع هذا وقف إمامنا الحسين (عليه السلام) وأصحابه إلى الصلاة في وقتها والرماح والسهام ترمى عليهم، حتى سقط أحدهم شهيدا مدافعا عن إقامة الصلاة، يقي الإمام (عليه السلام) بنفسه ويصد السهام بجسده الشريف حتى لا تصل إلى الإمام (عليه السلام) وهو في صلاته، فكان هذا أيضا من دروس التي تضمنتها تلك الثورة المباركة وهو درس المحبة والدفاع عن الحق، والتضحية في سبيل إقامة الفرائض.
وختاما: نسأل الله العلي القدير أن يمن علينا في أن نكون من خدمة الإمام الحسين (عليه السلام) في الدنيا والآخرة، وأن يرزقنا شفاعته يوم الورود، إنه سميع مجيب.
الهواش:
([1]) سورة النساء: 103.
([2]) سورة البقرة: 238.
([3]) الكافي: 3/ 265.
([4]) الكافي: 3/ 264.
([5])أسد الغابة، ج 2، ص 23 – 24.
([6])تاريخ الطبري: 5 / 416، بحار الأنوار: 44 / 391.
([7]) أعيان الشيعة: 1/ 606.