الباحِث: محمَّد حمزة الخفاجي.
الحمدُ لله ربّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الخلق والمُرسلين، أبي القاسم مُحمَّد وآله المنتجبين، واللَّعن الدَّائم على أعدائهم ومبغضيهم وناكري حقّهم ما بقيت وبقي اللَّيل والنَّهار إلى قيامِ يوم الدِّين...
وبعد...
ورث الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام) جميع الصفات النبيلة، فكان رمزاً للإنسانية، وأسوة يتأسى به العباد، وقد سماه النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ) سيدا وهذا يكفي في بيان عظيم منزلته، فهو سيد من السادات، وأبو الأئمة، وآخر أصحاب الكساء، ومن الشواهد التي ذكرها التأريخ والتي تبين جمالية روح الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام) وأي مستوى وصل له هذا الإنسان العظيم في الإنسانية موقفه مع الحر بن يزيد الرياحي ومن كان معه من الجند، فقد (جاء القوم زهاء ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي حتى وقف هو وخيله مقابل الحسين (عليه السلام) في حر الظهيرة، والحسين وأصحابه معتمون متقلدوا أسيافهم، فقال الحسين (عليه السلام) لفتيانه: " اسقوا القوم وأرووهم من الماء، ورشفوا الخيل ترشيفا " ففعلوا وأقبلوا يملؤون القصاع والطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس، فإذا عب فيها ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه وسقوا آخر، حتى سقوها كلها)[1].
هذا هو مبدأ الإمام (عليه السلام) وهذا ما تربى عليه، فلو كان غير ابن بنت رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ) في هذا الموقف لادخر هذا الماء ولم يسقِ أعداءه، لكن مبدأ الحسين (عليه السلام)، ونفسه الطاهرة تأبى أن تكون شحيحة حتى مع العدو.
قال علي بن الطعان المحاربي: (كنت مع الحر يومئذ فجئت في آخر من جاء من أصحابه، فلما رأى الحسين (عليه السلام)، ما بي وبفرسي من العطش قال: " أنخ الراوية " والراوية عندي السقاء، ثم قال: " يا ابن أخي أنخ الجمل " فأنخته فقال: " اشرب " فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء، فقال الحسين (عليه السلام): " اخنث السقاء " أي اعطفه، فلم أدر كيف أفعل، فقام فخنثه فشربت وسقيت فرسي)[2].
ومن المؤكد أن هذه المواقف الحسينية قد جعلت الحر بن يزيد (رضوان الله عليه) يراجع نفسه ويعتذر من الإمام الحسين (عليه السلام)، يروى أنه قال للحسين (عليه السلام): (... إني تائب إلى الله تعالى مما صنعت، فترى لي من ذلك توبة؟ فقال له الحسين (عليه السلام): "نعم، يتوب الله عليك...)[3].
إن تقبل الإمام الحسين (عليه السلام) للحر (رضوان الله عليه) دليل على إنسانيته وحبه للإنسان وهذه من مظاهر رحمة الله وهي قبول التوبة والحسين (عليه السلام) رحمة الله في أرضه، وهذا ما عرفه الحر (رضوان الله عليه) لذا جاء معتذرا نادما فقبله الإمام (عليه السلام).
وهل سمعنا أن رجلا يبكي على أعدائه وهم مما عليه من القسوة والجفاء فكان (عليه السلام)، يخاف أن يدخلوا النار بسببه، ولم يزل الإمام (عليه السلام) على مبدئه الذي نشأ عليه يعظ الناس وينصحهم ويحذرهم النار ويدعوهم الى الجنة ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر حتى قتل في سبيل الله فكان (صلوات الله عليه) المثل الأعلى للإنسانية لذا بقى ذكره، وعلا شأنه، وسيبقى ويبقى ذكر الحسين (عليه السلام) خالداً لأنه الإنسان الحقيقي الذي أحبه الله واختاره لنشر هذه القيم والمبادئ السامية.
وفي الختام: نعزي الإمام صاحب العصر والزمان ونسأل الله تعالى بالإمام الحسين (عليه السلام) التعجيل في فرجه، إنه سميع مجيب.
الهوامش:
[1] - الإرشاد، الشيخ المفيد: 2 / 78.
[2] - الإرشاد: 78.
[3] - الارشاد: 100.