من الفكر السياسي عند الإمام علي (عليه السلام): تكوين الدولة في الإسلام

مقالات وبحوث

من الفكر السياسي عند الإمام علي (عليه السلام): تكوين الدولة في الإسلام

4K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 13-12-2020

بقلم: د. جليل منصور العريَّض – الجامعة الأولى/ تونس

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.
وبعد:
إن جميع آيات التشريع، جاءت لتنظم العلاقات الاجتماعية والسياسية بين المسلمين أنفسهم، وبين المسلمين وغيرهم من أهل الذمة، وبين المسلمين والكفار، علاوة على ذلك، فقد أحكم القرآن الكريم طريقة التعامل مع من يمتنع عن الدخول في الإسلام من الافراد والجماعات، فحكم السيف في رقاب الكفار من قاطني شبه الجزيرة العربية، بينما ترك حرية العبادة لأصحاب الديانات السماوية شريطة دفع الجزية. ولو امعنا النظر في صلح الحديبية، الذي تنازل فيه الرسول صلى الله عليه وآله عن كثير من صلاحياته، إلى حد جعل عمر يقول للرسول صلى الله عليه وآله «يا رسول الله، ألست برسول الله؟ قال: بلى، قال: اولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال أوليسوا بالمشركين؟، قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟، فكان رد الرسول صلى الله عليه وآله على ذلك بقوله: انا عبد الله ورسوله، ولن اخالف امره ولن يضيعني»[1]، فصلح الحديبية بناء على قول الرسول صلى الله عليه وآله قد كان بوحي من الله.
وبعث الرسول صلى الله عليه وآله رسله إلى ملوك الممالك المجاورة في السنة السادسة للهجرة يدل على ان البعد السياسي في الدولة تابع للبعد الديني[2]، لأن فحوى كتبه لأولئك الملوك أما الدخول في دين الإسلام، أو الخضوع لإرادة دولة الإسلام امتثالاً لقوله تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}[3]، فلم تكن بعوثه تلك الا بوحي من الله. فبناء الدولة في الإسلام بجميع مؤسساتها جزء اصيل من الدين، لأنها لم تكن خارجة عن نطاق الوحي، بحيث يمكننا القول بأن الركائز الأساسية قد تم وضعها باكتمال الدين واتمام النعمة، وقد سارت سياسة الدولة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله في نفس الاتجاه الديني في ظل تشريع القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وآله.

لم يتغير شيء من سياسة الرسول صلى الله عليه وآله الا بعد التغيرات الاجتماعية التي حدثت للمتجمع العربي أثر تغير خريطة الدولة الإسلامية بعد الفتوح الواسعة وانتشار الإسلام، فكان من جراء ذلك التغيير محاولة العرب الانحراف بالسياسة الدينية نحو المصالح الدنيوية، وقد بدأ ذلك الانحراف يأخذ طريقة إلى نفوس القرشيين في الخفاء منذ حكم عمر بن الخطاب[4]، ثم تكشفت معالمه في حكم عثمان[5] وأسفر عن وجهه في خلافة علي عليه السلام الذي عايش ظروف ذلك المنعطف الخطير في السياسة الدينية بكل إحساساته، وحاول جاهداً إعادتها إلى الجادة التي رسمها صاحب الرسالة، ولكن بعد فوات الأوان بانطلاق الشهوات المادية من عقالها، وخفوت جذوة القيم الرويحة، فكان على علي عليه السلام ان يعيد التمثل بالسياسة الدينية على اعتبار انه الممثل الشرعي للنبي صلى الله عليه وآله في توكيد تلك السياسة ومحاولة احيائها بتبديد ما اثير حولها من شكوك، لذلك نجده في خطبته الأولى التي اعلن فيها سياسته، يقرر بأن حكومته ما هي الا امتداد لحكومة الرسول صلى الله عليه وآله كما يبدو من قوله «الا وان بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيكم صلى الله عليه وآله ، والذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة، ولتغربلن غربلة ولتساطن سوط القدر، حتى يعود اسفلكم اعلاكم، واعلاكم اسفلكم»[6]، فالظاهر من تشبيهه عصره بعصر بداية البعثة النبوية انه عازم على اعادة تلك السياسة التي نبذتها قريش إلى نصابها، لذا فانه يقول للمسلمين في خطبة أخرى «ولكم علينا العمل بكتاب الله تعالى وسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله والقيام بحقه ونعش سنته»[7]، ومن هذا المنطلق يمكننا دراسة الساسة الدينية في فكر علي بن أبي طالب عليه السلام[8].

يتبع لاحقا..

 الهوامش:
[1] تاريخ الطبري 2/643.
[2] جرت كتب رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الموك وغيرهم بدعوتهم إلى الإسلام فإن أبَو فالجزية، وذلك كان يوصي أمراء جيوشه وسراياه، وللاطلاع على نماذج من هذه الكتب، راجع: أبو عبيد ـ الأموال ص20 وما بعدها.
[3] سبأ 28.
[4] راجع مقتل عمر ص 289 من هذا البحث.
[5] راجع مقتل عثمان ص 290-291 من هذا البحث.
[6] خطب 16.
[7] خطب 170.
[8] لمزيد من الاطلاع ينظر: فكر الإمام علي عليه السلام كما يبدو في نهج البلاغة: للدكتور خليل منصور العريّض، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص142 – 145.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.4080 Seconds