مباحث أخلاقية وتنموية في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر. الحلقة (29): دلالة النهي عن التَّسقُط في الأمور عند إمكانها و اللَّجاجة فيها بعد تَنكَّرها واثاره في اتخاذ القرار.

مقالات وبحوث

مباحث أخلاقية وتنموية في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر. الحلقة (29): دلالة النهي عن التَّسقُط في الأمور عند إمكانها و اللَّجاجة فيها بعد تَنكَّرها واثاره في اتخاذ القرار.

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 14-08-2025

بقلم: السيد نبيل الحسني الكربلائي.

تناولنا في الحلقة السابقة دلالة النّهي عن العجلة في الأمور قبل أوانها وبيان اثارها على الإنسان ولاسيما في اتخاذ القرار، وسنتناول في هذه الحلقة دلالة النهي عن التَّسقُط في الأمور عند إمكانها و اللَّجاجة فيها بعد تَنكَّرها وبيان اثارهما، وهو جزء من النّواهي التي وردت في العهد الشريف لمالك الأشتر، في قوله (عليه الصلاة والسلام):

«وإِيَّاكَ والْعَجَلَةَ بِالأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا، أَوِ التَّسَقُّطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا، أَوِ اللَّجَاجَةَ فِيهَا إِذَا تَنَكَّرَتْ، أَوِ الْوَهْنَ عَنْهَا إِذَا اسْتَوْضَحَتْ، فَضَعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْضِعَه وأَوْقِعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْقِعَه».

وهي على النحو الآتي:
النهي عن التسقط في الأمور عند إمكانها.
 ينتقل النّص الشريف في قوله (عليه الصلاة والسلام):
«أَوِ التَّسَقُّطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا» إلى بيان آلية جديدة في إحكام القرار، وضبطه الأمور، وجني ثمارها، وذلك بترك التَّسقُط في الأمور عند إمكانها، والتَّسقُط بمعنى التهاون فيها عند التمكن منها، أي أنّ احراز النتائج المرجوة في أي عمل يحتم على الإنسان أن ينهض به عند نضوجه وترك التهاون في أنجازه بعد أن تمكن منه.
بمعنى: أنّ التهاون في الأمر بعد أن استحكم ونضج سيؤدي إلى مفسدته وضياعه، مما يترك أثارا نفسية واجتماعية واقتصادية على الإنسان وذلك تبعا للمجال الذي وقع فيه الأمر.

2ـ  النهي عن اللجاجة في الأمور بعد تنّكرها.
في النهي الثالث قال (عليه الصلاة والسلام):
«أَوِ اللَّجَاجَةَ فِيهَا إِذَا تَنَكَّرَتْ».
واللجاجة في اللغة، هي من: «لجَّ في الأمر لجأ من باب تعب، ولجاجة: إذا لازم الشيء و واظبه، من باب ضرب لغة فهو لجوج ولجوجة والهاء للمبالغة.
وفي الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «اللَّجَاجَةُ تَسُلُّ الرَّأْيَ» [1] ، أي تأخذه وتذهب به، وذلك أن الإنسان قد يلّج في طلب الشيء مع أن الرأي في تحصيله التأني، فيكون اللجاج فيه سببا مفوتا للرأي الأصلح فيه، وهو مفوت للمطلوب المرغوب غالبا»[2].
والمعنى: أنّ أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) يحذّر الإنسان ولاسيما من كان في مواقع القرار والقيادة والإدارة من اللجاجة في طلب أمر من الأمور ويلح فيه وهو في واقعه قد تنّكر للإنسان، أي تغير عنه ولم يتحصل له أخذه لسبب من الأسباب فيكون في ذلك قد فوّت على نفسه الالتفات إلى أمور أخرى أو أنه يعرّض نفسه للمهانة أو الإذلال أو تلف الأمر أو عدم القدرة على النهوض به والتعايش معه أو التّكسب منه وغيرها من الموانع التي يجهلها الإنسان، ومن ثمّ فإن الحكمة تقتضي الإعراض عن طلب هذا الأمر والبحث عن بدائل أخرى تكون أولى بالاهتمام أو أضمن في حصول نتائجها وجنيّ ثمارها [3].

الهوامش:
[1] نهج البلاغة ج 3 ص 194
[2] مجمع البحرين، الطريحي: ج2 ص327
[3] لمزيد من الاطلاع ، ينظر : فقه صناعة الإنسان ، الأوامر والنواهي في عهد الإمام علي(عليه السلام) لمالك الاشتر (رحمه الله) ، دراسة في ضوء أصول الفقه والأخلاق ، السيد نبيل الحسني، ص259- 260/ مع بعض الإضافة، إصدار: مؤسسة علوم نهج البلاغة - العتبة الحسينية المقدسة ، ط 1 -  دار الوارث كربلاء المقدسة 2023م

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3342 Seconds