(وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) جواد الآئمة انموذجا.

مقالات وبحوث

(وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) جواد الآئمة انموذجا.

4K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 22-02-2021

بقلم: علي فاضل الخزاعي

الحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا شيء قبله ولا شيء بعده، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد (صلى الله عليه وآله) وعلى آله الطيبين الأطهار.

في هذا لشهر الفضيل تتوالى المناسبات الدينية التي أنعم الله (عز وجل) بها على المؤمنين، حيث جعل لهم أئمة من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يستضاء بنورهم وينجي المؤمن بشفاعتهم وولايتهم ومن هذه الأنوار الإلهية التي تنورت الأكوان بولادته وبطلته البهية الإمام التاسع ابن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن علي أمير المؤمنين، أبو جعفر الهاشمي، العلوي، المعروف بالجواد، تاسع أئمّة أهل البيت الطاهر.

ولد  يوم العشر من رجب في سنة 195 ه‍ في المدينة المنورة[1]، كان يلقب بالجواد، وبالقانع، وبالمرتضى، كان من سروات آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، زوجه المأمون بابنته، وفد هو وزوجته على المعتصم فأكرمه وأجله. وتوفي ببغداد في آخر سنة عشرين شاباً طرياً له خمسٌ وعشرون سنة، وكان أحد الموصوفين بالسخاء، ولذلك لقب بالجواد، وقبره عند قبر جده موسى (عليه السلام)[2].

غمرت الإمام الرضا (عليه السلام) موجات من الأفراح والسرور بوليده المبارك، وطفق يقول: (قد وُلِد لي شبيه موسى بن عمران فالق البحار، وشبيه عيسى بن مريم، قُدست أمّ ولدته...). والتفت (عليه السلام) إلى أصحابه فبشّرهم بمولوده قائلاً: (إنّ الله قد وهب لي من يرثني، ويرث آل داود...)[3]

نشأ الإمام محمد الجواد (عليه السلام) في بيت النبوة والإمامة ذلك البيت الذي أعزّ الله به المسلمين وقد ترعرع (عليه السلام) في ظلاله وهو يتلقّى المثُل العليا من أبيه، وقد أفاض عليه أشعة من روحه العظيمة، وقد تولى بذاته تربيته، فكان يصحبه في حلّه وسفره، ويطعمه بنفسه، وقد روى يحيى الصنعاني قال: دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) وهو بمكة، وكان يقشّر موزاً، ويطعم أبا جعفر، فقلت له: جعلت فداك، هذا المولود المبارك؟ قال (عليه السلام): نعم يا يحيى هذا المولود الذي لم يولد في الإسلام مولود أعظم بركة على شيعتنا منه[4]. كان المأمون قد شغف بأبي جعفر - عليه السلام - لما رأى من فضله على صغر سنّه، وبلوغه في الحكمة والعلم والاَدب وكمال العقل ما لم يساوه فيه أحد من مشايخ أهل الزمان. وكان الجواد - عليه السلام - ـ كما يظهر من بعض الكتب[5] ـ قد أقام ببغداد إلى أن استأذن المأمون في الحجّ فخرج من بغداد متوجّهاً إلى المدينة، وذلك في السنة التي خرج فيها المأمون لغزو الروم.

رُوي أنّ المأمون لما أراد أن يزوج ابنته أبا جعفر الجواد - عليه السلام -، ثَقُل ذلك على العباسيين، وزعموا أنّه صبي لا يحسن الفقه، فقال لهم المأمون: إن شئتم فامتحنوه، فاجتمع رأيهم على اختيار قاضي القضاة يحيى بن أكثم لطرح المسائل على الجواد، فحضر الامام وقاضي القضاة والمأمون وجمع من الناس، فقال يحيى بن أكثم: أصلحك اللَّه يا أبا جعفر ما تقول في محرم قتل صيداً؟ فقال الامام: قتله في حل أو حرم، عالماً أم جاهلًا، قتله عمداً أو خطأ، حرًّا كان أم عبداً، صغيراً كان أم كبير، مبتدئاً بالقتل أم معيداً، من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها، من صغار الصيد كان أم من كباره، مصراً على ما فعل أو نادماً، في الليل كان قتله للصيد في أوكارها أم نهاراً وعياناً، محرماً كان للعمرة أو للحج فتحيّر يحيى بن أكثم وتعجّب من كثرة هذه التشقيقات، واستبشر المأمون بذلك، ثمّ طلب من الامام أن يذكر الحلول، فأجاب عنها - عليه السلام - بكاملها وللإمام - عليه السلام - بالإضافة إلى ما روي عنه من فقه وحديث، مواعظ وحكم وآداب وبعض الأدعية ذكرها الاعلام في كتبهم، منها: قال - عليه السلام -: المؤمن يحتاج إلى ثلاث خصال: توفيق من اللَّه وواعظ من نفسه وقبول ممن ينصحه وقال: من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق عن اللَّه فقد عبد اللَّه، وإن كان الناطق ينطق عن لسان إبليس فقد عبد إبليس وقال: من استفاد أخاً في اللَّه فقد استفاد بيتاً في الجنة)[6].

فهذه اطلالة وجيزة عن حياة الإمام الجواد من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة (عليهم السلام) الذي أوتي الحكم صبيا، فسلام على جواد الأئمة، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

الهوامش:

[1] ينظر: بحار الانوار: 50/14.

[2] ينظر: تاريخ الإسلام، الذهبي: ج15، ص385.

[3] - عيون المعاجز، حسين بن عبد الوهاب: ص108.

[4] - ينظر: حياة الامام الجواد: باقر شريف القرشي: ص21

[5] - ينظر في رحاب أئمة أهل البيت: القسم الثاني، الجزء الرابع، ص 168.

[6] - ينظر: موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق (ع): ج 3، ص14.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2658 Seconds