الباحث: محمد حمزة الخفاجي
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلْفَاشِي حَمْدُهُ وَ اَلْغَالِبِ جُنْدُهُ وَ اَلْمُتَعَالِي جَدُّهُ أَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ اَلتُّؤَامِ وَآلاَئِهِ اَلْعِظَامِ...
أما بعد...
كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينتظر ولادة وصيِّه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان يرتقب الأحداث الدَّالة على ذلك، وعندما حان الوقت وظهرت بشائر الولادة حفَّ به الرسول (صلى الله عليه وآله)، وتلقاه تلقي المنتظر بشغف ولهفة، يروى أن رسول الله أتى بيت أبي طالب في يوم ولادة أمير المؤمنين (عليه السلام): فـ (تنحنح [أمير المؤمنين] بإذن الله تعالى، وقال: بسم الله الرحمن الرحيم {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}[1]، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قد أفلحوا بك. وقرأ تمام الآيات إلى قوله (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت والله أميرهم تميرهم من علومك فيمتارون، وأنت والله دليلهم وبك يهتدون. ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لفاطمة: اذهبي إلى عمه حمزة، فبشريه به)[2].
ومنذ ذلك الحين صار الرسول (صلى الله عليه وآله) يتعهد أمير المؤمنين (عليه السلام) بالرعاية والمتابعة، وقد أشار الإمام علي (عليه السلام) إلى هذا الأمر الخطبة المعروفة بالقاصعة: (وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَأَنَا وليدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِهِ، وَيَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ، وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ، وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ، وَكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ)، فكان النبي يضم الإمام علي (عليه السلام) الى صدره ويشمه ريحه، ويمضغ له الطعام من فمه، فكان عليًّا يتغذى على الطعام المخلوط باللعاب الشريف لرسول الله، حتى نبت لحمه وقوى عظمه.
روى الحسين بن زيد بن علي بن الحسين (عليه السلام) عن أبيه قال: كان النبي (صلّى اللّه عليه وآله وسلم)، يمضغ اللحمة والتمرة حتّى تلين، ويجعلها في فم علي (عليه السلام) وهو صغير في حجره. فكان يُغذيه الايمان والحكمة، وقد سأل أبو طالب بقوله: ما هذا يا بن أخي ؟ فقال: إيمان وحكمة[3].
وفي الأخبار أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كان يهز مهده ويقول هذا أخي وابن عمي ووارث علمي وأميني على ديني.
على أنَّ المعرفة كانت متبادلة بين النبيِّ ووصيِّه، فقد كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يعرف الرسول وهو أوَّل أيَّام حياته، وهذا الأمر أشارت إليه رواية تقول: (دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على فاطمة، فلما بصر علي (عليه السلام) برسول الله (صلى الله عليه وآله سلم)، عليه، وضحك في وجهه، وأشار إليه... قال: فأخذه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالت فاطمة: عرفه ورب الكعبة، قال فلكلام فاطمة سمى ذلك اليوم يوم عرفة، تعنى أن أمير المؤمنين عرف رسول الله (صلى الله على وآله وسلم)[4].
وكيف لا يعرف الإمام رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو نفسه بنص القرآن والسنة، وقد قال أبو طالب لفاطمة بنت أسد لما ولد النبي (اصْبِرِي .. أُبَشِّرْكِ بِمِثْلِه) أي شبيهه خلقاً وخلقاً ومنطقاً، وقد ولد الإمام طاهراً مطهراً، في موضع طهر فكان الوحيد من الخلق من له فضيلة الولادة في بيت الله الحرام، وهذه منقبة وفضيلة لا تجاريها فضيلة.
فنسال الله بهذا المولود أن يمن علينا بالصحة والأمان ويعجل بفرج صاحب الأمر والزمان.
الهوامش:
[1] - المؤمنون: 1 – 2.
[2] - الامالي، الشيخ الطوسي: 708.
[3] - ينظر شرح احقاق الحق، السيد المرعشي، ج22، ص520 .
[4] - الاالي، الشيخ الطوسي: 708.