من الأمثال العربية في نهج البلاغة: قوله (عليه السلام) ((فَلْيَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ))

مقالات وبحوث

من الأمثال العربية في نهج البلاغة: قوله (عليه السلام) ((فَلْيَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ))

5K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 01-11-2021

بقلم: الدكتور حسن طاهر ملحم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من تبوأ من الفصاحة ذروتها وأصبح بذلك أفصح العرب أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين لا سيما الإمام علي عليه السلام أمير البيان..
وبعد:
استعمل الإمام علي عليه السلام المثل العربي في مواطن كثيرة وقفت عليها في كتاب نهج البلاغة وهي على النحو الآتي:

قوله عليه السلام: (فَلْيَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ)[1]
تمثل الإمام علي (عليه السلام) في هذا المثل بخطبة له في فضائل أهل البيت (عليهم السلام) فهم كرائم القرآن وهم كنوز الرحمن، وإن نطقوا صدقوا، وإن صمتوا لم يسبقوا، فليصدق رائد أهله...).
وأصل المثل قولهم (الرائد لا يكذب أهله)[2].
والرائد: الذي يتقدم القوم ليطلب الماء والكلأ لهم فإذا أكذبهم أفسد أمرهم، وأمر نفسه لأنه واحد منهم.
يضرب مثلاً للنصح غير المتهم على من تنصح له، وأصله في العربية من قولهم: رادَ بَرُود، إذا جاء ذهب ونظر يميناً وشمالاً ومن ثم قيل: ارتاد الشيء، إذا طلبه، لأن الطالب يتردد في حاجته حتى ينالها[3].
وهو من الأمثال التي تمثل بها الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبة خطبها بمكة حين دعى قومه إلى دين الإسلام[4]بأمر الله سبحانه وتعالى عندما نزلت الآية ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [5].
عن علي (عليه السلام) (جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلاً، ودعاهم إلى مأدبة وشربوا وأكلوا ثلاثاً....، والحادثة معروفة عند المؤرخين والمفسرين ليس فيها مراء إلا لمعاند وكان في نهاية المطاف قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) من يكون وليي ووصيي بعدي وخليفتي ثلاثاً كل ذلك يسكت القوم ويقول علي (عليه السلام): أنا، فقال: أنت)[6].
ويقال في الثانية حمد الله وأثنى عليه ثم قال: (إن الرائد لا يكذب أهله، والله لو كذبت الناس ما كذبتكم، ولو غررت الناس جميعاً ما غررتكم....)[7].
وقيل هو من أقوال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) [8]،  وجاء استخدام الإمام علي (عليه السلام) للمثل (الرائد لا يكذب أهله) بتغيير شكل المثل من حيث الصورة الفنية (ليصدق رائد أهله) رغم أنه ضمن معنى المثل لا شكله إلا أن المعنى واحد، لا فرق بينهما سوى تبديل (لا يكذب) بـ(ليصدق) وهو خبر أريد به النهي: أي لابد ألا يكذب فهو كالمثل السائر (الرائد لا يكذب أهله) لا نفسه.
واستخدام الإمام علي (عليه السلام) للمثل لوصفه الرائد الذي يأخذهم إلى المسار الصحيح لأنه الوالي على الرعية، وهو مأخوذ من قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما تمثل بالمثل نفسه حينما عرض نفسه على قومه وهو الصادق الأمين كما تقدم، والواقعة متماثلة بين ما حدث زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين جمع قومه وبين جمع الإمام (عليه السلام) لقومه هو الآخر لتعريفه بأيهم بمقام أهل البيت (عليهم السلام).[9].

الهوامش:
[1]- نهج البلاغة: خطبة رقم (152)
[2]- أبو هلال العسكري: جمهرة الأمثال 1/474
[3]- أبو هلال العسكري: جمهرة الأمثال 1/474
[4]- أحمد زكي صفوت: جمهرة خطب العرب، المكتبة العلمية،  بيروت 1993م، 1/147
[5]- الشعراء: آية 214
[6]- الطبري: تاريخ الامم والملوك 2/61؛  الطبري: جامع البيان 19/148،  ابن أبي حاتم الرازي: تفسير ابن أبي حاتم 9/182؛  أحمد بن محمد بن مسلمة: شرح معاني الأخبار 3/284؛  ابن عساكر،  تاريخ دمشق 4/32؛  ابن البطريق: العمدة ص76.
[7]- ابن الأثير: الكامل في التاريخ 2/27؛  ابن كثير: السيرة النبوية 1/272،  أحمد زكي صفوت: جمهرة خطب العرب 1/147.
[8]- ابن قتيبة: غريب الحديث 1/349
[9]لمزيد من الاطلاع ينظر: الأمثال العربية ومدلولاتها التاريخية في كتاب نهج البلاغة، للدكتور حسن طاهر ملحم، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 116 –118.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2591 Seconds