من عوامل اصلاح الحاكم في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضوان الله عليه)

مقالات وبحوث

من عوامل اصلاح الحاكم في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضوان الله عليه)

4K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 25-12-2021

1. أن يكون متقياً لله تعالى

بقلم: د. عبد الزهرة جاسم الخفاجي

الحمد لله حمد الشاكرين، والشكر لله شكر الذاكرين، والصلاة وأتم التسليم على خاتم النبيين محمد وآله الطيبين الطاهرين، وبعد.
وبعد:
لقد ورد في العهد الشريف الذي كتبه الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر رضوان الله عليه لما ولاه مصر جملة من العوامل التي تحدد صلاح الحاكم ومنها:
أن يكون متقياً لله تعالى والتقوى: «من الوقاية، وهي ما يحمي به الإنسان نفسه»[1]. وقد وردت (التقوى) في القرآن الكريم بهذا اللفظ في خمس عشرة مرة كما وردت بصور بيانية أخرى في مواضع عدة[2]. ولمفردة التقوى مساحة كبيرة في كلام الإمام علي (عليه السلام) وتكاد لا تخلو منها خطبة من خطبه أو كتاب يوجهه إلى عامل من عماله، ومما قاله في التقوى: «التَّقْوَى سِنْخُ الْإِيمَانِ»[3] أي: أصله وأساسه، وقال (عليه السلام): «إنَّ تَقْوَى اللّهِ مِفْتاحُ سَداد، وذَخيرَةُ مَعاد، وعِتْقٌ مِنْ كُلِّ مَلَكَة، وَنَجاةٌ مِنْ كُلِّ هَلَكَة، بِها يَنْجُوالهارِبُ، وتُنْجَحُ المَطالِبُ، وَتُنالُ الرَّغائِبُ»[4].  وفي بيان علامات المتقين ما جاء في قول الله تعالى: ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾[5].
وفيما نقل عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: لأهل التقوى علامات يُعرفون بها: صدق الحديث، وأداء الأمانة، والوفاء بالعهد، وقّلة الفخر والبخل، وصلة الأرحام، ورحمة الضعفاء، وقلّة المؤاتاة للنساء، وبذل المعروف، وحسن الخلق، وسعة الحلم، واتّباع العلم فيما يقرّب إلى الله عزّ وجلّ»[6] والتقوى كما فسرها الإمام الصادق (عليه السلام) «ان لايفقدك الله حيث امرك ولايراك حيث نهاك»[7] فالتقوى إذن: «قوة روحية تتولد من التمرين العملي الذي يحصل من الحذر المعقول من الذنوب»[8]. فهي حالة في الانسان تنمو بالمتابعة الفكرية والتربية الروحية، ولذلك كان الإمام علي (عليه السلام) ينمي التقوى في المجتمع عبر الخطب والرسائل ومتابعة تنفيذ مايطرحه بنفسه وعبر جهاز رقابي واسع.

ولم تزل التقوى دعوة جميع الأنبياء إلى الأمم التي بُعثوا إليها فكانت هدفا تسعى الرسالات السماوية الى تحقيقها في نفوس الناس كما في قوله تعالى: ﴿وَلله مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ الله وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لله مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ الله غَنِيّاً حَمِيداً﴾[9].
فالتقوى اذن «شريعة عامة لجميع الأمم لم يلحقها نسخ ولاتبديل، بل هي وصية الله في الأولين والآخرين»[10]. والتقوى تنتهي بصاحبها إلى الجنة كما يقول الإمام علي (عليه السلام): «أَلاَ وَإِنَّ التَّقْوَى مَطَايَا ذُلُلٌ  حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا، وَأُعْطُوا أَزِمَّتَها، فَأَوْرَدَتْهُمُ الجَنَّةَ»[11].
وبين (عليه السلام) أهمية التقوى في الحياة الدنيا وعاقبة المتقين في الآخرة فقال: «فَإِنَّ الْتَّقْوَى فِي الْيَوْمِ الحرْزُ وَالجُنَّةُ، وَفِي غَد الطَّرِيقُ إِلَى الجَنَّة»[12].
ويخلص الطباطبائي في تفسيره للآية الكريمة: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾[13].
إلى القول: «وأما تكرار التقوى ثلاث مرات، وتقييد المراتب الثلاث جميعاً به فهو لتأكيد الإشارة إلى وجوب مقارنة المراتب جميعاً للتقوى الواقعي من غير غرض آخر غير ديني، وقد مرّ في بعض المباحث: أن التقوى ليس مقاماً خاصاً دينياً بل هو حالة روحية تجامع جميع المقامات المعنوية أي لكل مقام معنوي تقوى خاص يختص به»[14]
وقَرَنَ الإمام علي (عليه السلام) التقوى بالطاعة لله تعالى فقال: (وإيثار طاعته) على أن تُؤثَر هذه الطاعة عمّا سواها , فمن وصيته لأحد عماله: «واعمل بطاعة الله فيما ولاك منها»[15]، كماعدّ أنَّ طاعة الله وطاعة الإمام من فعل المتقين؛ فقد كتب إلى سعد بن مسعود واليه على المدائن: «..وأطعت ربك، وأرضيت إمامك فِعْلُ المُبِرِّ النقي النجيب»[16].[17].

الهوامش:
[1]  لسان العرب،  15/401.
[2]  يُنظر: الدبيسي، محمد، التقوى في القرآن الكريم، القاهرة، دار المحدثين، ط1 -  2008م، ص30.
[3]  الكافي، الأصول، 2/35.
[4]  صبحي الصالح، نهج البلاغة، ص351.
[5]  البقرة: 177.
[6]  الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي (ت381ه)، كتاب الخصال،  صححه: علي أكبر الغفاري، قم،  الحوزة العلمية.لخصال، باب الاثنى عشر، ص 483، النيشابوري، محمد بن الفتال (ت508هـ)  روضة الواعظين، تحقيق غلام حسين المجيدي، قم- مطبعة نكارش، ط1، 1423م، 2/383.
[7]  الحر العاملي، محمد بن الحسن (ت1104هـ)وسائل الشيعة، تحقيق: مؤسسة آل البيت، قم، مطبعة مهر، ط2، 1414هـ، ح 20381،  15/239؛ الثعلبي، أبو اسحق أحمد (ت427هـ) الكشف والبيان، تحقيق: محمد بن عاشور، بيروت، دار احياء التراث العربي، ط1- 2002م، 1/144.
[8]  المطهري، مرتضى،  في رحاب نهج البلاغة، بيروت - الدار الإسلامية، ط1-1992م، ص136؛ الحائري، أيوب، قبسات من نهج البلاغة، ص84.
[9]  النساء: 131.
[10]  الرازي، محمد فخر الدين (ت604هـ) تفسير الفخر الرازي، بيروت-دار الفكر، ط1،  1981م، 11/71.
[11]  صبحي الصالح، نهج البلاغة، خ 16، ص58.
[12]  صبحي الصالح، نهج البلاغة، خ189، ص284.
[13]  المائدة:93.
[14]  الطباطبائي، السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، بيروت مؤسسة الإعلمي، طا 1997، 6/128.  
[15]  تاريخ اليعقوبي 2/109.
[16]  م. ن 2/104.
[17] لمزيد من الاطلاع ينظر: صلاح الراعي وإصلاح الرعية قراءة في عهد الإمام علي عليه السلام إلى مالك الأشتر رضوان الله عليه: للدكتور عبد الزهرة جاسم الخفاجي، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 47 – 53.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2683 Seconds