بقلم: د. سعيد عكاب عبد العالي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من اصطُفي من الخلق، وانتُجب من الورى، محمد وآله أُلي الفضل والنُّهى.
وبعد:
فإن صِيغة (مِفْعَال)، من أبنيةِ المبالغةِ الَّتي تـدلُّ على تكرارِ وقوعِ الحدثِ والمداومةِ عليه، بحيثُ يُصبحُ كالعادةِ في صَاحبِهِ([1])، فتُوصَف المرأة الَّتي تَلِدُ الذُّكور فقط بأنها(مِذكَار)، والتي تَلِدُ الإناث فقط(مِئْنَاث). ويبدو أنَّ صيغةَ(مِفْعَال) منقولةٌ من اسمِ الآلةِ، فأصبحتْ هذه الصِّيغةُ تدلُّ على الكثرةِ والمبالغةِ([2]).
وقد جاءَ هذا البناءُ في المرويَّات(أربع) مرَّاتٍ، منها قول ابن منظور في بيان معنى(مِسْياح): «والمِسْياحُ الَّذي يَسِيحُ في الأَرض بِالنَّمِيمَةِ والشَّرِّ؛ وفي حَدِيثِ عَلِيٍّ، (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ): أُولئك أُمَّةُ الهُدى لَيْسُوا بالمَساييح ولَا بالمَذاييع البُذُرِ؛ يَعْنِي الَّذِينَ يَسِيحون في الأَرض بِالنَّمِيمَةِ والشَّرِّ والإِفساد بَيْنَ النَّاسِ، والمَذَايِيعُ الَّذِينَ يُذِيعُونَ الفَوَاحِشَ»([3]).
في الحديثِ كلمتانِ هما (مَساييح، ومَذاييع) وهما جمـعٌ، ومفردهُمَا (مِسياح، ومِذياع) على زِنة(مِفْعال)، ومشتقَّتانِ من الفعلِ الثُّلاثيّ (ساحَ، وذاعَ). قالَ ابنُ فارس في معنى (مَساييح، ومَذاييع): «فَإِنَّ المَذَايِيعَ جَمْعُ مِذْيَاعٍ، وهُو الَّذي يُذِيعُ السِّرَّ لَا يَكْتُمُهُ. والمَسَايِيحُ، هُمُ الَّذِينَ يَسِيحُونَ في الأَرْضِ بِالنَّمِيمَةِ والشَّرِّ والإِفْسَادِ بَيْنَ النَّاسِ»([4])، أرادَ الامامُ(عليه السَّلام)أن يُبيِّنَ صفةً من صِفاتِ الأئمَّةِ الهُداةِ، بأنَّهم ليسو بالمساييحِ، ولا بالمذاييعِ، فكلمةُ مِسياح ومِذياع، تنطبقُ على من بالغ َوأكثر من تكرارِ الفعلِ حتَّى صارَ كالعادةِ له، وهذا لا يتلاءمُ وأئمَّة الأُمَّةِ الهُداة إلى طريقِ الحقِّ والأمانِ.
ويؤكِّد هذا المعنى ما قاله الشَّارح الرَّاونديّ: «والمَساييح جمع مِسياح، وهو الَّذي يسيحُ بين النَّاسِ الفسادَ والنَّمائمَ، والمذاييعُ جمعُ مذياع، وهو الَّذي إذا سمع لغيره بفاحشةٍ أذاعها ونوَّه بها، والبُذُرُ جمعُ بَذُور، وهو الَّذي يكثر سفههُ ويلغو منطقهُ»([5]).
أمَّا باقي صِيغ المبالغةِ (فعيل، فَعِل)؛ فلم أعثرْ على شاهدٍ عليها في المرويَّات([6]).
الهوامش:
[1] ينظر: أدب الكاتب: 293، والمقتضب: 2/114، والصاحبي، لابن فارس: 170.
[2] ينظر: معاني الأبنية: 110، والتحليل اللغوي في ضوء علم الدَّلالة: 86.
[3] لسان العرب(سيح): 2/493.
[4] المقاييس(سيح): 3/120.
[5] منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 1/444.
[6] لمزيد من الاطلاع ينظر: مرويات الامام علي عليه السلام في لسان العرب: سعيد عكاب عبد العالي، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 59 – 61.