من أوجه الحكمة في غيبة الإمام المهدي عجل الله فرجه الحلقة الثانية: الصبر على طول المحنة

مقالات وبحوث

من أوجه الحكمة في غيبة الإمام المهدي عجل الله فرجه الحلقة الثانية: الصبر على طول المحنة

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 18-03-2022

بقلم: السيد علي الحسني

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين أساس الدين وعماد اليقين.
أما بعد:
لا بد لنا في البدء بعرض شيء من التعريف بالحكمة، والحِكْمَةُ هي: العدل، ورجل حَكِيمٌ بمعنى: عدل حكيم، وأَحْكَمَ الأَمر: أتقنه، وأَحْكَمَتْه التجاربُ على المَثَل، وهو من ذلك، ويقال للرجل إذا كان حكيماً: قد أَحْكَمَتْه التجارِبُ.  والحكيم: المتقن للأُمور([1])، والحِكْمَةُ من العلم، والحَكِيمُ العالِم وصاحب الحِكْمَة. وقد حَكُمَ أي صار حَكِيماً([2]).
ومن هنا نستوضح حكمة الله تعالى واقتضاء تقدير غيبة بعض الأنبياء وتدبيرها، حتى يتحقق الأثر ويتحصل المبتغى من الحكمة الإلهية التي يمكن تشخيصها بوجوه:
الصبر على طول المحنة وانتظار الفرج
وأما وجه الحكمة في غيبة موسى عليه السلام أنه كان يقتضي أن يبتلى به أهل زمانه لكي يعرفوا نعمة الله تعالى عليه بعد طول المحنة وشدة البلاء وأنّ في الفزع إلى الله عزّ وجل الفرج والخير الكثير، وكأنّ ظاهر الحال هكذا بهذه الصورة أو ما شابه مما يبتلي به الله سبحانه العباد.
فعن سعيد بن جبير، عن سيد العابدين علي بن الحسين، عن أبيه سيد الشهداء الحسين بن علي، عن أبيه سيد الوصيين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
«لما حضرت يوسف عليه السلام الوفاة جمع شيعته وأهل بيته، فحمد الله وأثنى عليه ثم حدثهم بشدة تنالهم، يقتل فيها الرجال وتشق بطون الحبالى وتذبح الأطفال حتى يظهر الله الحق في القائم من ولد لاوي بن يعقوب، وهو رجل أسمر طويل، ونعته لهم بنعته، فتمسكوا بذلك، ووقعت الغيبة والشدة على بني إسرائيل وهم منتظرون قيام القائم أربع مائة سنة، حتى إذا بشروا بولادته ورأوا علامات ظهوره واشتدت عليهم البلوى، وحمل عليهم بالخشب والحجارة، وطلب الفقيه الذي كانوا يستريحون إلى أحاديثه فاستتر، وراسلوه فقالوا: كنا مع الشدة نستريح إلى حديثك، فخرج بهم إلى بعض الصحاري وجلس يحدثهم حديث القائم ونعته وقرب الامر، وكانت ليلة قمراء، فبيناهم كذلك إذ طلع عليهم موسى عليه السلام وكان في ذلك الوقت حديث السن، وقد خرج من دار فرعون ظهراً للنزهة فعدل عن موكبه وأقبل إليهم وتحته بغلة وعليه طيلسان خز، فلما رآه الفقيه عرفه بالنعت فقام إليه وانكب على قدميه فقبلهما، ثم قال:
الحمد لله الذي لم يمتني حتى أرانيك، فلما رأي الشيعة ذلك علموا أنه صاحبهم فأكبوا على الأرض شكرا لله عز وجل، فلم يزدهم على أن قال:
أرجو أن يعجل الله فرجكم، ثم غاب بعد ذلك، وخرج إلى مدينة مدين فأقام عند شعيب ما أقام، فكانت الغيبة الثانية أشد عليهم من الأولى وكانت نيفا وخمسين سنة واشتدت البلوى عليهم واستتر الفقيه فبعثوا إليه أنه لا صبر لنا على استتارك عنا، فخرج إلى بعض الصحاري واستدعاهم وطيّب نفوسهم وأعلمهم أن الله عز وجل أوحى إليه أنه مفرج عنهم بعد أربعين سنة، فقالوا بأجمعهم:
الحمد لله، فأوحا لله عز وجل إليه قل لهم:
قد جعلتها ثلاثين سنة لقولهم (الحمد لله).
فقالوا: كل نعمة فمن الله.
فأوحى الله إليه قل لهم: قد جعلتها عشرين سنة.
فقالوا: لا يأتي بالخير إلا الله.
فأوحى الله إليه قل لهم: قد جعلتها عشراً.
فقالوا: لا يصرف السوء إلا الله.
فأوحى الله إليه قل لهم: لا تبرحوا فقد أذنت لكم في فرجكم، فبينا هم كذلك إذ طلع موسى عليه السلام راكبا حماراً، فأراد الفقيه أن يعرف الشيعة ما يستبصرون به فيه، وجاء موسى حتى وقف عليهم فسلم عليهم.
فقال له الفقيه: ما اسمك؟
فقال: موسى.
قال: ابن من؟
قال: ابن عمران.
قال: ابن من؟
قال: ابن قاهت بن لاوي بن يعقوب.
قال: بماذا جئت؟
قال: جئت بالرسالة من عند الله عز وجل.
فقام إليه فقبل يده، ثم جلس بينهم فطيب نفوسهم وأمرهم أمره ثم فرقهم، فكان بين ذلك الوقت وبين فرجهم بغرق فرعون أربعون سنة»([3]).
وعن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول:
«في القائم عليه السلام سنة من موسى بن عمران عليه السلام».
فقلت: وما سنَّته من موسى بن عمران؟
«قال: خفاء مولده، وغيبته عن قومه».
فقلت: وكم غاب موسى عن أهله وقومه؟
«فقال: ثماني وعشرين سنة»([4]).
وروي كذلك عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية، عن أبيه محمد، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
«المهدي منا أهل البيت، يصلح الله له أمره في ليلة. وفي رواية أخرى يصلحه الله في ليلة»([5]).([6]).

الهوامش:
([1]) لسان العرب: ج12، ص:143.
([2]) المصدر نفسه: ج12، ص140.
([3]) المصدر نفسه: ص145.
([4]) كمال الدين وتمام النعمة: ص152.
([5]) المصدر نفسه.
[6]) لمزيد من الاطلاع ينظر: العلامة والظهور دراسة في ضوء القرآن الكريم والسنة ونهج البلاغة: تأليف السيد علي الحسني، ط العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة: 64 – 67.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2984 Seconds