مقاصدية قول الإمام علي (عليه السلام) لمعاوية: «ومنّا خيرُ نساء العالمين ومنكم حمّالة الحطب» الحلقة الأولى: سبب صدور النص يدفع بن أبي الحديد للبحث في كتب التاريخ.

مقالات وبحوث

مقاصدية قول الإمام علي (عليه السلام) لمعاوية: «ومنّا خيرُ نساء العالمين ومنكم حمّالة الحطب» الحلقة الأولى: سبب صدور النص يدفع بن أبي الحديد للبحث في كتب التاريخ.

4K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 17-03-2022

بقلم: السيد نبيل الحسني الكربلائي

للوقوف على مقاصدية النص الشريف وما يبتغيه أمير المؤمنين (عليه السلام) من هذا القول وبيان غرضه، فلابد أن ندرس أولاً سبب صدور النص الشريف، ومكان صدوره، وزمانه، ثم نتناول أن شاء الله مقاصدية النص.
أولاً: سبب صدور النص الشريف.
إنّ السياق العام للنص يرشد الى أن السبب الذي كان وراء صدوره سببا قوياً مما جعل منتج النص(عليه السلام) أن يعبئ به هذه العبارات والمعاني والدلالات والمقاصد وغيرها مما لا يسعنا عدّه وجمعه.
ولذا:
فإن سبب صدور النص يختلف عن سابقه من النصوص، وخير ما يمكن لنا تحققه من سبب للصدور ما أورده ابن أبي الحديد المعتزلي، فقد تنبه الى عظم ما جاء في هذا النص، فضلاً عن أن الإمام علي (عليه السلام) يثير ذهن القارئ في مطلع كتابه للرجوع الى معرفة ما قاله معاوية بن أبي سفيان ليستحق هذا الرد والبيان من الإمام علي (عليه السلام).
وقد تحققت هذه القصدية، أي تحريك ذهن المتلقي وتفاعله مع النص لدى ابن أبي الحديد المعتزلي فقد أندفع للبحث والإستفسار عن كتاب معاوية من شيخه النقيب أبي جعفر، فيقول:
(سألت النقيب يحيى بن جعفر أبي زيد، فقلت:
أرى هذا الجواب منطبقا على كتاب معاوية الذي بعثه مع أبي مسلم الخولاني إلى علي (عليه السلام)، فإن كان هذا هو الجواب، فالجواب الذي ذكره أرباب السيرة وأورده نصر بن مزاحم في كتاب صفين إذن غير صحيح، وإن كان ذلك الجواب، فهذا الجواب إذن غير صحيح ولا ثابت، فقال لي:
بل كلاهما ثابت مروي، وكلاهما كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) وألفاظه، ثم أمرني أن أكتب ما عليه علي (عليه السلام)، فكتبته، قال رحمه الله:
كان معاوية يتسقط[1] عليا وينعى عليه ما عساه يذكره من حال أبي بكر وعمر، وأنهما غصباه حقه، ولا يزال يكيده بالكتاب يكتبه، والرسالة يبعثها يطلب غرته، لينفث بما في صدره من حال أبي بكر وعمر، إما مكاتبة أو مراسلة، فيجعل ذلك حجة عليه عند أهل الشام، ويضيفه إلى ما قرره في أنفسهم من ذنوبه كما زعم، فقد كان غمصه[2] عندهم بأنه قتل عثمان، ومالا على قتله، وأنه قتل طلحة والزبير، وأسر عائشة، وأراق دماء أهل البصرة؛ وبقيت خصلة واحدة، وهو إن يثبت عندهم أنه يتبرأ من أبي بكر وعمر، وينسبهما إلى الظلم ومخالفة الرسول في أمر الخلافة، وأنهما وثبا عليها غلبة، وغصباه إياها، فكانت هذه الطامة الكبرى ليست مقتصرة على فساد أهل الشام عليه، بل وأهل العراق الذين هم جنده وبطانته وأنصاره، لأنهم كانوا يعتقدون إمامة الشيخين، إلا القليل الشاذ من خواص الشيعة، فلما كتب ذلك الكتاب مع أبي مسلم الخولاني قصد أن يغضب عليا ويحرجه ويحوجه إذا قرأ ذكر أبى بكر، وأنه أفضل المسلمين، إلى أن يخلط خطه في الجواب بكلمة تقتضي طعنا في أبى بكر، فكان الجواب مجمجما[3] غير بين، ليس فيه تصريح بالتظليم لهما، ولا التصريح ببراءتهما، وتارة يترحم عليهما، وتارة يقول أخذا حقي وقد تركته لهما، فأشار عمرو بن العاص على معاوية أن يكتب كتابا ثانيا مناسبا للكتاب الأول ليستفزا فيه عليا عليه السلام ويستخفاه، ويحمله الغضب منه أن يكتب كلاما يتعلقان به في تقبيح حاله وتهجين مذهبه؛ وقال له عمرو:
إنّ عليا رجل نزق تياه[4]، وما استطعمت منه الكلام بمثل تقريظ أبى بكر وعمر، فاكتب؛ فكتب كتابا أنفذه إليه مع أبي أمامة الباهلي، وهو من الصحابة، بعد أن عزم على بعثته مع أبي الدرداء؛ ونسخة الكتاب:
 (من عبد الله معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب.
أما بعد، فإن الله تعالى جده اصطفى محمدا عليه السلام لرسالته، واختصه بوحيه وتأدية شريعته، فأنقذ به من العماية، وهدى به من الغواية، ثم قبضه إليه رشيدا حميدا، قد بلغ الشرع، ومحق الشرك، وأخمد نار الإفك، فأحسن الله جزاءه وضاعف عليه نعمه وآلاءه؛ ثم إن الله سبحانه اختص محمدا عليه السلام بأصحاب أيدوه وآزروه ونصروه وكانوا كما قال الله سبحانه لهم: ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾[5]، فكان أفضلهم مرتبة، وأعلاهم عند الله والمسلمين منزلة، الخليفة الأول، الذي جمع الكلمة، ولم الدعوة وقاتل أهل الردة، ثم الخليفة الثاني الذي فتح الفتوح، ومصر الأمصار وأذل رقاب المشركين؛ ثم الخليفة الثالث المظلوم الذي نشر الملة، وطبق الآفاق بالكلمة الحنيفية.
فلما استوثق الاسلام وضرب بجرانه عدوت عليه فبغيته الغوائل، ونصبت له المكايد، وضربت له بطن الامر وظهره، ودسست عليه، وأغريت به، وقعدت حيث استنصرك عن نصره، وسألك أن تدركه قبل أن يمزق فما أدركته، وما يوم المسلمين منك بواحد.
لقد حسدت أبا بكر، والتويت عليه، ورمت إفساد أمره، وقعدت في بيتك، واستغويت عصابة من الناس حتى تأخروا عن بيعته، ثم كرهت خلافة عمر وحسدته واستطلت مدته، وسررت بقتله، وأظهرت الشماتة بمصابه، حتى إنك حاولت قتل ولده لأنه قتل قاتل أبيه، ثم لم تكن أشد منك حسدا لابن عمك عثمان، نشرت مقابحه، وطويت محاسنه، وطعنت في فقهه، ثم في دينه، ثم في سيرته، ثم في عقله، وأغريت به السفهاء من أصحابك وشيعتك، حتى قتلوه بمحضر منك، لا تدفع عنه بلسان ولا يد، وما من هؤلاء إلا من بغيت عليه، وتلكأت في بيعته، حتى حملت إليه قهرا، تساق بخزائم الاقتسار كما يساق الفحل المخشوش، ثم نهضت الان تطلب الخلافة، وقتلة عثمان خلصاؤك وسجراؤك والمحدقون بك، وتلك من أماني النفوس، وضلالات الأهواء.
فدع اللجاج والعبث جانبا، وادفع إلينا قتلة عثمان، وأعد الامر شورى بين المسلمين ليتفقوا على من هو لله رضا؛ فلا بيعه لك في أعناقنا، ولا طاعة لك علينا، ولا عتبى لك عندنا، وليس لك ولأصحابك عندي إلا السيف؛ والذي لا إله إلا هو لأطلبن قتلة عثمان أين كانوا، وحيث كانوا، حتى أقتلهم أو تلتحق روحي بالله.
فأما ما لا تزال تمن به من سابقتك وجهادك فإني وجدت الله سبحانه يقول: (يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين)[6]؛ ولو نظرت في حال نفسك لوجدتها أشد الأنفس امتنانا على الله بعملها، وإذا كان الامتنان على السائل يبطل أجر الصدقة، فالامتنان على الله يبطل أجر الجهاد، ويجعله (كصفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدى القوم الكافرين)[7].
قال النقيب أبو جعفر: فلما وصل هذا الكتاب إلى علي عليه السلام مع أبي أمامة الباهلي، كلم أبا أمامة بنحو مما كلم به أبا مسلم الخولاني، وكتب معه هذا الجواب.

قال النقيب: وفي كتاب معاوية هذا ذكر لفظ الجمل المخشوش أو الفحل المخشوش، لا في الكتاب الواصل مع أبي مسلم، وليس في ذلك هذه اللفظة، وإنما فيه: «حسدت الخلفاء وبغيت عليهم، عرفنا ذلك من نظرك الشزر[8]، وقولك الهجر[9]، وتنفسك الصعداء، وإبطائك عن الخلفاء».
قال: وإنما كثير من الناس لا يعرفون الكتابين، والمشهور عندهم كتاب أبى مسلم فيجعلون هذه اللفظة فيه، والصحيح أنها في كتاب أبي أمامة ألا تراها عادت في جوابه ولو كانت في كتاب أبي مسلم لعادت في جوابه!
انتهى كلام النقيب أبي جعفر)[10].
أذن:
كان السبب في صدور النص هو هذه المغالطات التي أوردها معاوية والأخبار الكاذبة والشبهات الكبيرة، فضلاً عن تلك الأسباب والدوافع التي كانت العمود الفقري لهذا الكتاب وهو زرع الفتنة بين المسلمين واراقة دمائهم من خلال اثارة التطرف الديني وبث الكراهية حينما يتم التعرض الى معتقداتهم.
فكان جوابه (عليه السلام) ناسفاً لهذه الاكاذيب ومستأصلاً لهذا التحجر الفكري، ولم ينل معاوية مبتغاه للوصول الى هذه الفتنة.
أما زمان صدور النص ومكانه فسنتناوله في الحلقات القادمة من هذه السلسلة.[11]

الهوامش:
[1] يتسقطه: يتنقصه.
[2] غمصه: اتهمه.
[3] مجمجما: غير واضح.
[4] أقول: نعوذ بالله مما قالوا ونبرئ الى الله ورسوله(صلى الله عليه وآله) من ذلك وأهله.
[5] سورة الفتح، الآية (29).
[6] سورة الحجرات، الآية (17).
[7] سورة البقرة، الآية (264).
[8] يقال: شزره وإليه: نظر إليه بأحد شقيه، أو هو نظر فيه إعراض.
[9] الهجر (بضم فسكون): القبيح من القول.
[10] شرح نهج البلاغة: ج15 ص184-188.
[11] لمزيد من الإطلاع ينظر: فاطمة عليها السلام في نهج البلاغة، السيد نبيل الحسني: ج5 ص145-150، ط1 العتبة الحسينية المقدسة 2016م.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3082 Seconds