بقلم: د. جليل منصور العريَّض – الجامعة الأولى/ تونس
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.
وبعد:
بعد أن أُجبر الإمام علي عليه السلام على وقف القتال، تبرع الأشعث بن قيس[1] بالوساطة بين علي عليه السلام ومعاوية، فاتفق هو ومعاوية على اختيار حكمين[2]، مهمتهما فض نزاع الطرفين حسب شروط يتفق عليها. وقد حزم معاوية أمره على أن يكون عمرو بن العاص ممثلاً له في ذلك التحكيم[3]، وتلافياً من وقوعه فيما لا يحمد عقباه من نتائج حاول ان يسد الباب في وجه علي عليه السلام، ويحول بينه وبين اختيار من يرتضيه حكماً، فاقترح على الأشعث، بطريق غير مباشرة، أبا موسى الأشعري[4] ليقوم بمهمة تمثيل أهل العراق في التحكيم، وذلك بعد ان أجال فكره في رجال علي عليه السلام ، قال للأشعث، على سبيل الاقتراح المتضمن النصح «إن الناس قد ملوا هذه الحرب، ولم يرضوا إلا رجلاً له تقية، وكل هؤلاء لا تقية لهم ـ يعني رجال علي عليه السلام المخلصين ـ ولكن انظروا اين انتم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله تأمنه أهل الشام، وترضى به أهل العراق، فقال عتبة: ذلك أبو موسى الأشعري»[5]، فوجد الاقتراح قبولاً عند الأشعث، فكان لمعاوية ما أراد. فعلي عليه السلام على الرغم من انحراف أبي موسى الاشعري عن علي عليه السلام الا ان الاشعث وبقية اليمانية[6] في جيشه، بالإضافة إلى القراء، قد ألزموه على قبوله رغم محاولاته المستميتة في رفضه، وتنبيه أولئك المتمردين بمغبة اختيارهم، علهم يتركون له مجال ترشيح من يراه أهلاً لمواجهة دهاء عمرو بن العاص. لكن إرادته لم تفلح للمرة الثانية، فاستقر راي الفريقين على الحكمين برضا معاوية، وسخط علي عليه السلام ، ولم يبق الا الاتفاق على شروط التحكيم وكتابتها[7].
الهوامش:
[1] الأشعث بن قيس واسمه معدي كرب بن قيس، أسلم في السنة العاشرة من الهجرة، كان ممن ارتد بعد النبي صلى الله عليه وآله، فسير أبو بكر الجنود إلى اليمن، فأخذوا الأشعث أسيراً، فأحضر بين يديه فقال له: استبقني لحربك وزوجني أختك، فأطلقه أبو بكر وزوجه أخته... توفي بعد علي عليه السلام بأربعين ليلة سنة اربعين من الهجرة ـ أسد الغابة1/118. قال الطبري في التاريخ 3/338: كان الأشعث «يلعنه المسلمون، ويلعنه سبايا قومه، وسماه نساء قومه: عرف النار ـ كلام يمان يسمون به الغادر»، وقال عنه ابن أبي الحديد 1/297«كان الأشعث من المنافقين في خلافة علي عليه السلام وهو في أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام كما كان عبد الله بن سلول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كل واحد منهما رأس النفاق في زمانه».
[2] راجع صفين ص 498، 499.
[3] المصدر السابق نفسه.
[4] المصدر السابق نفسه.
[5] ابن قتيبة ـ الإمامة والسياسة 1/129. أما عتبة الذي ذكر أبا موسى الاشعري تعقباً على حديث معاوية، فهو عتبة بن بي سفيان (ت44هـ) أخو معاوية ـ ترجمته في أسد الغابة 3/560، اما الاقتراح بترشيح أبي موسى الاشعري بالذات فلأنه منحرف عن علي عليه السلام، ثم انه ضعيف الشخصية بإزاء دهاء عمرو بن العاص. راجع بذلك الشأن ما قاله علي عليه السلام عنه في صفين ص 499 وما أورده ـ ابن عبد البر عن انحراف الأشعري عن علي عليه السلام في: الاستيعاب بهامش الإصابة 2/372 وعن الخلل في شخصية أبي موسى الاشعري. راجع وصية معاوية لعمر بن العاص حين توجه إلى مكان التحكيم عند: ابن عبد ربه ـ العقد الفريد ـ 4/347.
[6] إصرارا اليمانية على أبي موسى الاشعري لأنه يماني ـ راجع صفين ص 500.
[7] لمزيد من الاطلاع ينظر: فكر الإمام علي عليه السلام كما يبدو في نهج البلاغة: للدكتور خليل منصور العريّض، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 277-278.