بقلم: الدكتور سحر ناجي المشهدي
الحمد لله الأول قبل الإنشاء، والآخر بعد فناء الأشياء، أحمده استتمامًا لنعمته، واستعصاماً من معصيته، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على من اصطفى من الخلق أجمعين سيدنا ونبينا محمد وآل الطاهرين..
اما بعد:
وردت هذه اللفظة ثلاث مرات في كلام الإمام (عليه السلام) لتدل على السلعة المجازية، فلم ترد حاملة لمعنى السلعة الحقيقية، فقد إستعمل الإمام (عليه السلام) هذا النَّوع، إذ جاءت في النَّهْج تحمل المعنى المجازي ؛ ولم تأتِ هذه اللفظة لتحمل المعنى الحقيقي (المادي). قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلام له في صفة من يتصدى للحكم بين الأمة: «إِلَى اللهِ أَشْكُو مِنْ مَعْشَر يَعِيشُونَ جُهَّالاً، وَيَمُوتُونَ ضُلاَّلاً، لَيْسَ فِيهمْ سِلْعَةٌ أَبْوَرُ مِنَ الكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلاَوَتِهِ، وَلاَ سِلْعَةٌ أَنْفَقُ بَيْعاً وَلاَ أَغْلَى ثَمَناً مِنَ الكِتَابِ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ» [1].
وتقدم شبه الجملة (فيهم) جوازا، والغرض منه التوكيد، أي أنَّ الأمر فيهم وحدهم لافي غيرهم، وأبور على زنة (أفْعل) من البَوُر: الفاسد، بار الشيء، أي، فسد، وبَارَتْ السِّلعة: كسدت ولم تنفق، وهو المراد هاهنا، وأصله الفساد[2]، و(سـِلـْعـَة) الثانية مسبوقة بـ(لا) الزائدة.
وجاءت الجملة الفعلية تحمل صيغة النفي؛ لتعطي ما بدأ به النص من إثبات، ثباتا أكثر؛ لأنّ موضوع النص القرآن (الكتاب) ولمَا يحمله من أهمية قصوى في حياة المسلمين فهو دستورهم المقدس، فالشَّكوى على لسان الإمام (عليه السلام) تمثل شكوى الحرص على مصلحة الجماعة لا الفرد. ووقعت (سلعة) اسم ليس في حديثه عن الزَّمان المُقْبِل: «وَلَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ ذلِكَ الزَّمَانِ سِلْعَةٌ أَبْوَرَ مِنَ الْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلاَوَتِهِ»[3]. تقدمت الجملة الظرفية (عند أهل ذلك الزّمان) على إسم ليس (سلعة) وأصلُّ الجملة (ليس سلعة أبورـ عند أهل ذلك الزّمان) وأبور بمعنى: أفسد، وهي خبر ليس، من بار الشيء، أي هلك، ويقصد بالسِّلعة هنا: المتاع[4].
والسَّلع: نبات يقال: هو السُم. وتجمع السِّلْعة على سِلَع وهي ما كانت متجورا به من رغيف وغيره [5] قال ابن فارس: « السين واللام والعين أصل يدل على انصداع الشّيء وانفتاحه. من ذلك السّلع، وهو شَقُ في الجبل كهيئة الصدع والجمع سُلُوع. ويقال تسلع عقبه، إذا تشقق وتزلع. ويقال سلع رأسه، إذا فلقه، والسّلعة: الشيءٌ المَبَيع، وذلك أنّها ليست بقنية تٌمْسَك، فالأمر فيها واسع»[6].
وسميت بذلك؛ لأنّها تقطع من غيرها أي تُسلع منه. ويراد بها المَتاع الذي يُتّجر به، ويُقَال: هذه سِلْعَةٌ مُربِحَة، وهي من أربَح السّلع وهي المَتاع المٌتَجَوزٌ فيه، تقول: ما هذه سِـلْـعَـه إنمَّا هي سِـلْـعه[7].
و» السّلعة ما تُجِــرَ به، وأيضا العلق، والمتاع، وجمعها السـِّلع. والمُسْـلِعُ: صاحب السِّـلْعة»[8])[9].
الهوامش:
[1] نهج البلاغة: خ 17، 25.
[2] ظ: شرح نهج البلاغة: ابن ابي الحديد: 1 / 264.
[3] نهج البلاغة: خ 147، 145.
[4] ظ: شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد: 9 / 75.
[5] ظ: العين (مادة سلع): 1 / 335.
[6] مقاييس اللغة: 3 / 95.
[7] ظ: اساس البلاغة: 1 / 468.
[8] لسان العرب (مادة سلع): 3 / 2066.
[9]لمزيد من الاطلاع ينظر: المعجم الاقتصادي في نهج البلاغة، للدكتورة سحر ناجي المشهدي، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 109-110.