الأخلاق من نهج البلاغة - الإنسان وأطواره الحلقة الثالثة.

مقالات وبحوث

الأخلاق من نهج البلاغة - الإنسان وأطواره الحلقة الثالثة.

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 25-03-2023

بقلم: الشيخ محسن المعلم

((الحمد لله كما هو أهله، والصلاة والسلام على هداة الخلق إلى الحق، محمد وآله الطاهرين))

وبعد:
فإن مما ورد في نهج البلاغة في بيان الأطوار التي يمر بها الإنسان هي: هي احتياجه إلى التذكرة، وقال عليه الصلاة والسلام:
«إِنَّمَا المَرْءُ فِي الدُّنْيَا غَرَضٌ[1] تَنْتَضِلُ[2] فِيهِ المَنَايَا وَنَهْبٌ تُبَادِرُهُ المَصَائِبُ، وَمَعَ كُلِّ جُرْعَةٍ شَرَقٌ وَفِي كُلِّ أَكْلَةٍ غَصَصٌ. وَلاَ يَنَالُ الْعَبْدُ نِعْمَةً إِلاَّ بِفِرَاقِ أُخْرَى، وَلاَ يَسْتَقْبِلُ يَوْماً مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ بِفِرَاقِ آخَرَ مِنْ أَجَلِهِ. فَنَحْنُ أَعْوَانُ المَنُونِ وَأَنْفُسُنَا نَصْبُ الْحُتُوفِ فَمِنْ أَيْنَ نَرْجُو الْبَقَاءَ وَهذَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ لَمْ يَرْفَعَا مِنْ شَيْءٍ شَرَفاً[3]. إِلاَّ أَسْرَعَا الْكَرَّةَ فِي هَدْمِ مَا بَنَيَا، وَتَفْرِيقِ مَا جَمَعا؟!»[4].
«يَا أيُّها النَّاسُ، مَتَاعُ الدُّنْيَا حُطَامٌ[5] مُوبِىءٌ[6] فَتَجَنَّبُوا مَرْعَاهُ! قُلْعَتُهَا[7] أَحْظَى مِنْ طُمَأْنِينَتِهَا[8] وَبُلْغَتُهَا[9] أَزْكَى مِنَ ثَرْوَتِهَا، حُكِمَ عَلَى مُكْثِرٍ مِنْهَا بِالْفَاقَةِ وَأُعيِنَ مَنْ غَنِيَ عَنْهَا بِالرَّاحَةِ. مَنْ رَاقَهُ زِبْرِجُهَا[10] أَعْقَبَتْ نَاظِرَيْهِ كَمَهاً[11] وَمَنِ اسْتَشْعَرَا لشَّغَفَ بِهَا مَلاَََتْ ضَمِيرَهُ أَشْجاناً لَهُنَّ رَقْصٌ عَلى سُوَيْدَاءِ قَلْبِهِ هَمٌّ يَشْغَلُهُ، وَغَمٌّ يَحْزُنُهُ، كَذلِكَ حَتَّى يُؤْخَذَ بِكَظَمِهِ[12] فَيُلْقَى بِالْفَضاءِ، مُنْقَطِعاً أَبْهَرَاهُ[13]، هَيِّناً عَلى اللهِ فَناؤُهُ، وَعَلَى الْإِخْوَانِ إِلْقَاؤهُ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ المُؤْمِنُ إلى الدُّنْيَا بَعَيْنِ الْإِعْتِبَارِ وَيَقْتاتُ مِنْهَا بِبَطْنِ الْأِضْطِرَارِ وَيَسْمَعُ فِيهَا بِأُذُنِ المَقْتِ وَالْإِبْغَاضِ، إِنْ قِيلَ أَثْرى قِيلَ أَكْدَى[14]! وَإِنْ فُرِحَ لَهُ بِالْبَقَاءِ حُزِنَ لَهُ بِالْفَنَاءِ! هذَا وَلَمْ يَأْتِهِمْ يَوْمٌ فِيهِ يُبْلِسُونَ[15]»[16].

كرامة النفس والانضباط:
«مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ»[17].
وما أجلّ هذه الموازنة وأدق هذه المعادلة والمقارنة فالعاقل يصون نفسه ويحوطها بسياج من المنعة فلا يدنو منها ما يلوثها، وحينما تتربى وتترعرع في أحضان التنزيه تسمو في ذاتها وتتعالى بطبعها أن ترمق من الشهوات أوتهفو إلى الرغبات أو تخطر في افقها النزوات التي لاتنسجم وكرامتها ولا يليق بشرفها.

إصلاح النفس منطلق الاستقامة:
أ) «عِبَادَ اللهِ، زِنُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُوزَنُوا، وَحَاسِبُوهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَتَنَفَّسُوا قَبْلَ ضِيقِ الْخِنَاقِ، وَانْقَادُوا قَبْلَ عُنْفِ السِّيَاقِ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ لَمْ يُعَنْ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مِنْهَا وَاعِظٌ وَزَاجِرٌ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا زَاجِرٌ وَلاَ وَاعِظٌ»[18].

ب) «فَحَاسِبْ نَفْسَكَ لِنَفْسِكَ، فَإِنَّ غَيْرَهَا مِنَ الأَنْفُسِ لَهَا حَسِيبٌ غَيْرُكَ»[19].
وكانت هذه الفقرة خاتمة كلامه الذي قاله عند تلاوته {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالغُدُوِّ والْآصَالِ رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ}.
أوجزها جامعة للنهج القويم في التركيز على الاهتمام والبدءة باصلاح الذات وعلى إهمال الانشغال بفعل الاخرين وعلى عمق التعليل فعائدة محاسبة النفس للنفس ولا شئ لدى المرء أعز عليه من نفسه وهي التي يرجو لها الدنيا والآخرة فما أجدره بالعناية بها ومراقبتها ومحاسبتها)[20].

الهوامش:
[1] الغَرَض: ما ينصب ليصيبه الرامي.
[2] تَنْتَضِلُ فيه: تصيبه وتثبت فيه.
[3] الشرَف ما علا من مكان وغيره.
[4] م 191/503.
[5] الحُطَام: ما تكسّر من يبس النبات.
[6] مُوبِئ: ذو وباء مهلك.
[7] القُلْعَة: عدم السكون للتوطّن.
[8] طُمَأْنِينَتِهَا: سكونها وهدوؤها.
[9] البُلغة: مقدار ما يُتبلّغ به من قوت.
[10] الزِّبْرِج: الزينة.
[11] الكَمَهُ: العمى.
[12] الكَظَم: مخرج النفس.
[13] الأبهران: وريدا العنق، وانقطاعهما كناية عن الهلاك.
[14] أَكْدَى: افتقر.
[15] أَبْلَسَ: يَئس وتحيّر، ((يَوْمٌ فِيهِ يُبْلِسُونَ)) أي يوم القيامة.
[16] م 367 /539.
[17] م 449 /555.
[18] خ 90 /123.
[19] خ 222 /343.
[20] لمزيد من الاطلاع ينظر: الأخلاق من نهج البلاغة: الشيخ محسن علي المعلم، العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، ط1، ص 115-117.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2400 Seconds