من كلام الإمام علي (عليه السلام) في كتب غريب الحديث قوله عليه السلام: ((تنأنأت وتربصت وتراخيت فَكيف رَأَيْت الله صنع))

مقالات وبحوث

من كلام الإمام علي (عليه السلام) في كتب غريب الحديث قوله عليه السلام: ((تنأنأت وتربصت وتراخيت فَكيف رَأَيْت الله صنع))

2K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 12-04-2023

بقلم: الباحثة زهراء حسين جعفر

الحمدُ لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، وسببا للمزيد من فضله، ودليلا على آلائه وعظمته، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالضياء، وقدمه في الاصطفاء، وجعله خاتم الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.

أما بعد:
ورد حديث الإمام عَلِيٍّ (عليه السلام) لسليمانَ بْنِ صُرَدٍ، وقَدْ تَخَلَّفَ عَنْهُ يَوْمَ الجَمَلِ ثُمَّ أَتاه، فَقَالَ لَهُ: (( تنأنأت وتربصت[1]وتراخيت فَكيف رَأَيْت الله صنع))[2].
المفردة الصرفية الغريبة التي تلفت انظارنا في كلامه(َتنَأْنَأْتَ) من أصل(نأنأ) كما ورد في اللغة: النّأنأة: الضَّعْف والعَجْز في الأَمْر، وتنَأْنَأَ بمعنى ضَعُفَ واسْتَرْخَى. وَرَجُلٌ نَأْنَأ ونَأْنَاءٌ، بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ: عَاجِزٌ جَبانٌ ضَعِيفٌ[3]، وَقَالُوا: نأنأته بِمَعْنى نهنهته وَمِنْه قَالُوا للضعيف: مُنأنأ لِأَن الضَّعِيف مكفوف عَمَّا يُقدم عَلَيْه[4]. وبذلك ((سُمِّيَ أَوَّل الْإِسْلَام النأنأة؛ لِأَنَّهُ كَانَ وَالنَّاس ساكنون هادئون لم تهج بَينهم الْفِتَن وَلم تشَتت كلمتهم))[5].
لم يختلف أصحاب المعجمات، وغريب الحديث في معنى (تنأنأت) فهي بمعنى: ضعفت واسترخيت، ولكن الاختلاف يَكْمُن في رواية متن الحديث في الزيادة والنقصان في الالفاظ، فذكر ابن سلام موضعين لحديثه(عليه السلام): الأول: كما ذكرناه، والثاني: ذكر ابن سلام ((في حَدِيث آخر لِسُلَيْمَان قَالَ: أتيتُ عليّا حِين فرغ من مرحى الْجمل[6] فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: تزحزحتَ[7] وتربصتَ وتنأنأتَ فَكيف رَأَيْت الله صنع))[8].

وذكر الزمخشري حديث الإمام علي (عليه السلام ): (( تنأنأت وتربصت وتراخيت فيكف رَأَيْت الله صنع))[9]، وأشهر الروايات التي ذُكِرَتْ في كتب غريب الحديث في قوله (عليه السلام): ((تنأنأت وتربصت فكيف رأيت الله صنع ))[10]. والزمخشري في اساسه يذكر هذا الحديث[11]، ولكن في الفائق يذكر غيره كما بيّنا.      
ويتضح من قول البلاذري(ت279هـ) من المحتمل-وهذا الاحتمال بعيدٌ- ان يكون اللفظ في الأصل: (ثأثأت) فصحف، من قولهم: (ثأثأ عن الشيء) إذا اراده ثم بدا له[12].
وبيَّن ابن سلام انّ أصل (النأنأة) الضعْف وَمِنْه قيل: (رجل نأنأ) إِذا كَانَ ضَعِيفا واستشهد بقول امرئ الْقَيْس يمدح رجلا: [13]
لعمـرُك ما سعــدٌ بِخُلـة آثـمِ                      وَلاَ [نأنأ] عِند الحِفاظ وَلاَ حصر[14]
وذكر أصحاب غريب الحديث أنَّ لفظة (تنأنأت)،بمعنى ضعفت، وفترت، وقصرت وعجزت.[15]وفي موضع آخر، ضَعُفْت وتَأخَّرْتَ [16].
فالضعف والعجز لا يدل على الأخلاق المذمومة؛ لأن الضعف والعجز يعني عدم القدرة كما في قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، إنّما الدلالة الأخلاقية في البناء الصرفي لهذه الكلمة في قول الإمام عليّ (عليه السلام) حينما قال(تنأنأت) وهي بصيغة(تفعللت)[17] وهذه الصيغة تحمل دلالة التصنع بتلك الصفة وإنّها ليست بصفة حقيقية أي: ابديت الضعف وانت لست بضعيف وهنا تَكْمُن القيمة الخلقية السيئة.  ومقتضى حديثه (عليه السلام) يريد أن يوصل فكرة لسليمان بأنَّكَ لم تُجِبْ حين دعوناك للحرب، بل ضَعُفْتَ وَتَباعَدْتَ[18].

الهوامش:
[1] تربصت من  (ربص) ( وتَرَبَّصَ بِهِ: انْتَظَرَ بِهِ خَيرا أَو شَرًّا، التَّرَبُّصُ بِالشَّيْءِ أَن تَنْتَظِرَ بِهِ  يَوْمًا مَا) لسان العرب: (ربص)7/39، وينظر تهذيب اللغة: 12/127.
[2] غريب الحديث: ابن سلام: 3/215، وينظر: الفائق في غريب الحديث: 3/399، النهاية في غريب الحديث والأثر: 5/3، لسان العرب: (نأنأ)1/161، تاج العروس: (نأنأ)1/442.
[3] ينظر: العين: (نأنأ)8/395، وجمهرة اللغة: (نأنأ)2/1105، ولسان العرب: (نأنأ)1/161، وتاج العروس: (نأنأ)1/442، والمعجم الوسيط،(نأنأ)2/895.
[4] ينظر: جمهرة اللغة: 1/228، والفائق في غريب الحديث: 2/50.
[5] غريب الحديث: ابن سلام: 3/215، وينظر: الفائق في غريب الحديث: 3/399.
[6] قَوْل ابن سلام: (مرحى الجمل) يَعْنِي الْموضع الَّذِي دارت عَلَيْهِ رحى الحربْ. غريب الحديث: 3 / 475.     
[7] قال الخليل: (زَحَّه يزُحُّه زَحّاً. والزَّحْزَحة: التَنْحِيةُ عن الشيء [يقال] زَحْزَحْتُه فتَزَحْزَحَ.) العين: (زحَّ)3/18، وينظر: المقاييس: (زحَّ)3/7.
[8] غريب الحديث: ابن سلام: 3/473.
[9] الفائق في غريب الحديث: 3/399، وينظر: العقد الفريد: 5/77، وجمهرة الأمثال: 1/555، و جمل الغرائب للنيسابوري: 1/47.
[10] غريب الحديث: ابن الجوزي: 2/385، النهاية في غريب الحديث والاثر: 5/3، وينظر: تهذيب اللغة: 15/390.
[11] أساس البلاغة: (ن أن أ)2/238، ويذكر معنى(تنانات) أي: فترت وقصرت. م ن.
[12] ينظر: جمل من انساب الاشراف، تح: محمد حميد الله: 2 / 272.
[13] غريب الحديث، ابن سلام: 3/214، ديوان امرئ القيس، تح المصطاوي: 99.
[14] وردت لفظة (نَأنَأٍ) في ديوان امرئ القيس،: ص 99، ونراها هي الأصح؛ لأنها معطوفة.
[15] ينظر: غريب الحديث: ابن سلام: 3/215، والفائق في غريب الحديث: 3/399، واساس البلاغة: 2/228،وغريب الحديث: ابن الجوزي: 2/385.
[16] ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 5/3.
[17] ينظر: المنصف: 93.
[18] [18] مزيد من الاطلاع ينظر: كلام الإمام علي عليه السلام في كتب غريب الحديث/ دراسة في ضوء نظرية الحقول الدلالية، تأليف زهراء حسين جعفر، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 113-115.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3087 Seconds