بقلم: م . م علي فاخر حسن.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق اجمعين محمد وآله الطاهرين.
وبعد:
الإدارة هي نظام حركي مستمر، يتكون من مجموعة من الأنشطة والمجهودات، يؤديها المديرون، تساهم مجتمعة في بلوغ الهدف[1]، باعتبار أن الإدارة ((الوسيلة الحركية التي تسبق أو تتزامن مع حركة التقدم الاجتماعي - الحضاري وتتوازن بتنسيق متناه بين الأعمال المختلفة للمجتمع))[2]، وتعرف ايضاً من حيث كونها جهازا أو أداة، أنها التجمع، أو التنظيم، أو الوحدة المحدثة في فترة ما لتحقيق سياسة، وأهداف خاصة. والإدارة من حيث كونها مهنة أو اختصاصا يمارسه الإداريون كما هي مهنة الطب والهندسة، والتجارة التي يمارسها الأطباء، والمهندسون، والتجار وتعني: المادية، المالية، الموضوعة بتصرف وحدة ما لتحقيق أهدافها علي أفضل وجه، من حيث الوقت، والمال، والجهد، والمواصفات[3] فالإدارة في مفاهيم التنمية البشرية تدور حول تطوير القدرات البشرية بأمور يتمكن الإنسان من خلالها من سد حاجياته المادية والمعنوية والاجتماعية والعقلية، إذ توسع قدرة الإنسان على بلوغ اقصى ما يمكنه بلوغه من حيث هو سواء كان فردا أو مجتمعا، فهي عبارة عن عملية تحريك عملي مخطط لمجموعة من العمليات الاجتماعية والاقتصادية من خلال عقيدة معينة لتحقيق التغير المستهدف بغية الانتقال من حالة غير مرغوب فيها إلى حالة مرغوب فيها[4]، هذا ما تميزت به سيرة الإمام علي (عليه السلام) في الجانب الإداري.
إذ إن الذهنية الذائبة في وجود الله، التي ارتوت من فيض علوم القدس المحمدي، لها في كل محط اثر، امتاز بالعمق المعنوي والمادي، وللإدارة في مفهومها عند الإمام علي (عليه السلام) لها معنى وأثر، فأما المعنى ما صرح به أمير المقال الإمام علي (عليه السلام): ((اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي سُلْطَانٍ ولَا الْتِمَاسَ شَيْءٍ مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ ولَكِنْ لِنَرِدَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ ونُظْهِرَ الْإِصْلَاحَ فِي بِلَادِكَ فَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ وتُقَامَ الْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ))[5]، ويقصد الإمام (عليه السلام) من ذلك ((أن الحروب التي كانت منه لم تكن طلبا للملك ولا منافسة على الدنيا ولكن لتقام حدود الله على وجهها ويجري أمر الشريعة والرعية على ما كان يجري عليه أيام النبوة))[6] انه (عليه السلام) يقرر بقوله هذا إنه لم يكن في اعماله محبًا لدنيا أو منصبٍ أو أموالٍ، فهي عنده كعفطة عنز أو ورقة تقضمها جرادة، إلا أن يقيم حقاً او يدفع باطلاً،[7] ولا يمكن أن يحقق ذلك دون أن تكون للدولة في مفهومه (عليه السلام) نظرية ((إدارية ترشد الحكومة إلى تأدية وظيفتها بشكل طبيعي ودقيق، وهذ يتضمن انشاء ضوابط عقلية للوظيفة الادارية، ولغة ادارية يفهمها المديرون وقابلية ذاتية على ترجمة الشريعة إلى قوانين ملزمة، وسلوك إداري اخلاقي من قبل المديرون انفسهم))[8]، وهذا يحتاج أن تكون شخصية المنظر شخصية إنسانية ذات صفات خاصة قد رسمت عليها أحكام السماء سربالاً من المعرفة الشاملة والكاملة لتحقيق تلك الإدارة التي يرومها الإمام علي (عليه السلام)وهذه الصفات تتجسد فيه (عليه السلام) لإحاطته بما لم يحط به غيره من الموجودين آنذاك، فهو القائل ((انْدَمَجْتُ عَلَى مَكْنُونِ عِلْمٍ لَوْ بُحْتُ بِهِ لَاضْطَرَبْتُمْ اضْطِرَابَ الْأَرْشِيَةِ فِي الطَّوِيِّ الْبَعِيدَةِ))[9]، ان قصد الإمام من هذا الجميل من المقال ((إن ذلك العلم لا يباح به ولو باح به لاضطرب سامعوه كاضطراب الأرشية وهي الحبال في البئر البعيدة القعر وهذا إشارة إلى الوصية التي خص بها (عليه السلام) إنه قد كان من جملتها الأمر بترك النزاع في مبدأ الاختلاف عليه))[10] أي هي من علوم الإمامة ومزاياها، ولا يشاركه فيها أحد من غير الأئمة، ولا يستطيع أحد أن يسمع أو يطلع على شيء من تلك الأسرار ولا يتمكن أن يتحملها والتي لو باح او أظهر شيئا من تلك الأسرار لاضطربت قلوب الناس كما تضطرب الحبال في الآبار العميقة، وذلك لضعف القلوب وعدم استعداد النفوس لأمثال هذه الامور،[11] وهذا يترك اثراَ واضحاً لذوي البصائر من أن الإمام عليًا (عليه السلام)اداري من طراز رباني، فـ ((الوظيفة الاساسية للإدارة هو ترجمة السياسة النظرية للدولة من حيث جمع المال مثلاً أو إعادة توزيعه على الفقراء من ذوي الحاجة والمسكنة، وتنظيم الجيش من اجل مقاتلة العدو، وتنظيم التجارة من اجل تحقيق الأمن الغذائي))[12] وهي قوانين عملية تخدم الإنسان، وتجمع بشكل واضح بين القيادة والادارة التي تجسدت في شخصية الإمام (عليه السلام)، وسيتكلم البحث عن الإدارة المدنية والإدارة العسكرية للإمام علي (عليه السلام)، لا على سبيل الحصر والإحاطة، لأن إدارة الإمام أو أي جزئية من جزئيات وجوده لا يمكن لأحد أن يحصي أبعادها عنده (عليه السلام)، بل على سبيل البحث والدراسة)[13].
الهوامش:
[1] ظ: كيف تستثمر اوقاتك، خليل موسى: 119.
[2] الإدارة والاسلوب القيادي في نهج البلاغة، هاشم المحنك: 10.
[3] كيف تستثمر اوقاتك، خليل موسى: 119.
[4] ظ: التنمية البشرية في السنة، سماح الغندوري:3.
[5] شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد: 8 / 263.
[6] م - ن: 8 / 264.
[7] ظ: في ظلال نهج البلاغة، محمد جواد مغنية: 2/177.
[8] الامام علي بن ابي طالب السيرة الذاتية والاجتماعية، زهير الاعرجي: 747، 748.
[9] شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد: 1 / 213.
[10] م - ن: 1 / 215.
[11] ظ: شرح نهج البلاغة، الحائري: 1/215.
[12] الامام علي بن ابي طالب السيرة الذاتية والاجتماعية، زهير الاعرجي: 748.
[13] لمزيد من الاطلاع ينظر: التنمية البشرية في نهج البلاغة: م. م. علي فاخر حسن، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 39-42.