.png)
مقالات وبحوث
بقلم: الباحثة زهراء حسين جعفر
الحمدُ لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، وسببا للمزيد من فضله، ودليلا على آلائه وعظمته، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالضياء، وقدمه في الاصطفاء، وجعله خاتم الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
قال الإمام علي (عليه السلام): ((أَنا أَبو حَسَنٍ القَرْم))[1].المفردة الغريبة التي وردت في قوله: (القرم) نجدها في اللغة بمعنى: السَّيِّد[2]. ويقال: ((قَرَم الصبيُّ يَقْرِم قَرْماً وقُرُوماً))[3]. ويُقَال: أقرم الْفَحْل إِذا ودَّعه صَاحبه من الحملِ..، والَّذِي يُتْرَكُ مِنَ الرُّكُوبِ وَالْعَمَلِ ويُودَع للفِحْلة، وَالْجَمْعُ قُروم[4].
قال ابن سلام: سمِّي السيِّد الرئيس من الرِّجَال المقرَم لعظم شَأْنه وَكَرمه عِنْدهم[5] ويتضح من قول الخطابي، والزمخشري: القرم: السيد الكريم من الرجال...[6]، وقال الخطابي في موضع آخر: ((أبو الحسن القرم هو علي بن أبي طالب))[7]. وقال ابن الاثير: قوله (عليه السلام) (أنا أبو حسنٍ القَرْمُ)، أَيِ: المُقَدَّم فِي الرَّأْيِ. أَيْ: أَنَا فِيهِمْ بِمَنْزِلَةِ الفحْل فِي الْإِبِلِ[8] وَذُكِرتْ مناسبة كلام الإمام (عليه السلام) في كتب غريب الحديث؛ ومنهم الخطابي قال: ((قَالَ أَبُو سُليْمانَ فِي حَدِيثِ علِيٍّ أَنَّ العَبَّاس بن عَبدِ المُطَّلِبِ وَرَبِيعَةَ بْنَ الْحَارِثِ بن عبدِ الْمُطَّلِبِ بَعثَا ابْنيْهِمَا الْفَضْل بن عَبَّاسٍ وَعَبد المُطَّلِبِ بن رَبِيعَة يَسْأَلانه أَن يَسْتَعْمِلهُمَا عَلَى الصَّدَقَاتِ فَقَالَ عَلِيٌّ: وَالله لا يستعمل منكم أحدا عَلَى الصَّدَقَةِ....فَأَلْقَى عَلِيٌّ رِدَاءَهُ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَيْهِ فَقَالَ [أنبأنا] أَبُو الْحَسَنِ الْقَرْمُ وَالله لا أَرِيمُ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْكُمَا أَبْنَاؤكُمَا بِحَوْرِ مَا بَعَثْتُمَا بِهِ)) [9]. ولكن الزمخشري قال: ((فَقَالَ: أنا أَبُو الْحَسَنِ الْقَرْمُ وَالله لاأرِيمُ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْكُمَا أَبْنَاؤكُمَا بِحَوْرِ مَا بَعَثْتُمَا بِهِ...))[10].
ولم يذكر ابن الجوزي كنيته -كنية ابن ابي طالب (عليه السلام)- وإنما قال: (( وَقَالَ عَلّي عَلَيْهِ السَّلَام أَنا القرم))[11]. وَهُوَ السَّيِّد الْكَرِيم. وإن دلَّ على شيء، فإنَّما يدل على الفخر لعظم شأنه (عليه السلام) وكرمه عندهم كما قال ابن سلام، وكذلك قول ابن فارس –كما مرَّ ذكره-: (القَرْمُ مِنَ الرِّجَالِ: السَّيِّدُ الْمُعَظَّم)، و((قال الجاحظ عن أمير المؤمنين عليه السلام نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد...)) [12]. وبذلك يكون استعمال الإمام هذه المفردة في التركيب بدلالتها المعجمية التي تدل على السِّيد المعظَّم)[13].
الهوامش:
[1] غريب الحديث: الخطابي: 2/193،غريب الحديث: ابن الجوزي: 2/238، الفائق في غريب الحديث: 2/232، النهاية في غريب الحديث والأثر: 4/49، لسان العرب: (قرم)12/473: تاج العروس،(قرم)، غريب الحديث في بحار الأنوار: 3/244.
[2] ينظر: مقاييس اللغة: (قرم)5/75، ولسان العرب: (قرم)12/473.
[3] المخصص: ابن سيده: 1/53.
[4] ينظر: اساس البلاغة: 2/72، ولسان العرب: (قرم)12/473.
[5] غريب الحديث: 1/250، وينظر: تهذيب اللغة: 9/120، ولسان العرب: (قرم)12/473.
[6] ينظر: غريب الحديث: 2/193، والفائق في غريب الحديث: 2/232.
[7] غريب الحديث: 2/686.
[8] ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 4/49، غريب الحديث في بحار الأنوار: 3/244 وكذلك ذكر قول الخطّابي بأنّ أكثر الروايات (القَرم) الواو بدل الراء، ولا معنى له، وإنّما هو بالراء؛ أي المُقَدَّم في المعرفة وتجارِب الاُمور. (م ن3/244 ).
[9] غريب الحديث: 2/193، لفظة [أنبأنا] الصحيح (أنا).
[10] الفائق في غريب الحديث: 2/322، وينظر: النهاية في غريب الحديث: 4/49.
[11] غريب الحديث: 2/238.
[12] تاريخ دمشق: 30/360-361.
[13] مزيد من الاطلاع ينظر: كلام الإمام علي عليه السلام في كتب غريب الحديث/ دراسة في ضوء نظرية الحقول الدلالية، تأليف زهراء حسين جعفر، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 122-124.
