القيم الخلقية في فكر الإمام علي (عليه السلام) 2- الإلزام الأخلاقي كما يبدو في فكر علي (عليه السلام)

مقالات وبحوث

القيم الخلقية في فكر الإمام علي (عليه السلام) 2- الإلزام الأخلاقي كما يبدو في فكر علي (عليه السلام)

692 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 21-07-2024

بقلم: د. جليل منصور العريَّض

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.

أما بعد:
من خلال دراستنا للأخلاق الإسلامية كما وردت في القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، يمكن أن نخلص إلى ان مباشرة المسلم لها والسير على هديها ينبع من اقتناع داخلي يلزمه بالتقيد بالقيم ويفرض عليه احترام الأخلاق بحيث يجعل من نفسه خصماً وحكماً في الوقت نفسه، فقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم «إذا أراد الله بعبدٍ خيرا جعل له واعظا من نفسه يأمره وينهاه»([1]) يعني بأن الإنسان مزود بقدرات ربانية خفية تتحكم في سلوكه، وتبصره بالطريق السوي دون أي توجيه خارجي قسري، بناء على الحرية المستنيرة التي وهبها الله للإنسان، وهي التي تحدد له واجبه الذي في مقدوره مباشرته أو غير مباشرته بمحض إرادته أما قول القائل: «صار واجباً بالإيجاب، حديث محض، فإن ما لا غرض لنا آجلاً وعاجلاً في فعله وتركه، فلا معنى لانشغالنا به، اوجبه علينا غيرنا أو لم يوجبه»([2]). ولو رجعنا إلى نظرة علي عليه السلام إلى معنى الالزام الأخلاقي، لوجدناه لا يحيد عن النظرة السابقة، فالإنسان هو الذي يلزم نفسه، وبإرادته الحرة ـ باختيار السبيل السليم و «من كان له من نفسه واعظ، كان عليه من الله حافظ»([3]) فالمراقبة مستمرة في كل وقت وكل مكان، منعقدة بكامل اعضائها انى سلكت بنا السبل، كما نفهمه من قوله «اتقوا معاصي الله في الخلوات، فإن الشاهد هو الحاكم»([4]). فالمسؤولية الأخلاقية هي التي تؤدي بحكم الفاعل على نفسه حيث يستحيل إلى سائل ومسؤول في ان واحد، ويمكن استخلاص ذلك من قول علي عليه السلام «الكلام في وثاقك ما لم تتكلم به، فإذا تكلمت به صرت في وثاقه»([5])، فالإلزام الخلقي ـ في فكر علي عليه السلام يكمن ـ ان صح التعبير ـ في الوجوب الاختياري، بمعنى أن النهج السوي المؤدي إلى السعادة يمكن للإنسان تمييزه واختياره، فالأوامر الإلهية لا تتسم بالإلزامية القسرية، فالخالق جل شأنه قد «أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيرا»([6])، وعلى هذا الأساس الأخلاقي المبني على الاقتناع الفكري، لم يلزم على (عليه السلام) احدا بالبقاء في جانبه، لا عن طريق الإرهاب، ولا عن طريق الاغراءات المادية وقد ترك لكل فرد في حكومته أن يختار طريقه بحرية بناء على الوازع الأخلاقي الكامن في اعماقه، ورسالته إلى واليه على المدينة سهل بن حنيف، حين اعلمه بتسلل بعض رجاله خفية إلى معاوية، خير مثال لما نحن بصدده([7]) مما يرمي إليه علي عليه السلام من وراء الغرض الوارد في صدر النص.
ولما كان الأمر والنهي الأخلاقيان نابعين من اختيار الفرد واقتناعه فلابد لنا من معرفة المنابع التي تستقي منها الافراد والجماعات قيمها، كما ورد في فكر علي عليه السلام)([8]).

الهوامش:
([1]) المتقي الهندي ـ كنز العمال ـ 11/95.
([2]) الغزالي ـ احياء علوم الدين 4/4.
([3]) حكم ـ 87، 332.
([4]) حكم ـ 87، 332.
([5]) حكم ـ تنسق الحكم 387، 76.
([6]) حكم ـ تنسق الحكم 387، 76.
([7]) راجع رسالة رقم 70.
([8]) لمزيد من الاطلاع ينظر: فكر الإمام علي عليه السلام كما يبدو في نهج البلاغة: للدكتور جليل منصور العريّض، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص412-414.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2460 Seconds