بقلم: د. جليل منصور العريَّض
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.
أما بعد:
الحقوق التي يتعين على الفرد مزاولتها لتكتمل سعادته ـ كما يرى علي عليه السلام ـ متعددة منها:
حق النفس:
النفس الإنسانية، منبع كل خير وحكمة وعلم وهي في الوقت نفسه «مثار الجهل والضلال والشقاء والشر»([1]) والقائد المحرك لكلا المتقابلين فيها، إحساس الفرد الداخلي بالمسؤولية، وهذا الإحساس هو مصدر الحق الذي خوله الله سبحانه وتعالى الإنسان، فإذا ما أراد التعايش في مجتمع تحكمه الأخلاق فعليه أولاً أن يبدأ بنفسه لأن «معلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم»([2]) فالحق الأولي والرئيسي البدء بالنفس، وقد اجمل علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام حقوق النفس في قوله «وأما حق نفسك عليك، فإن تستوفيها في طاعة الله، فتؤدي إلى لسانك حقه، وإلى رجلك حقها، وإلى بطنك حقه، وإلى فرجك حقه، وتستعين بالله على ذلك»([3]). فالملاحظ هنا أن حق النفس يشمل كل ما يصدر عن الإنسان من قول أو فعل أو تصرف، وحتى التفكير الذي يسبق الاقدام على عمل ما، هو حق من حقوق النفس، فتجنب الغرور والزهو من حقوقها «لأن الشيء الذي لا يحسن أن يقال وإن كان حقا مدح الإنسان نفسه»([4])، وحفظ اللسان في جميع المواطن حق من حقوقها لأنه «ما شيء أحق بطول سجن من لسان»([5]) كما يقول علي عليه السلام ، لأن سجن اللسان فيه صيانة للنفس من التلف، وتجنب الكوارث، وحفظ الأعراض، فرب «قول أنفذ من صول»([6]). ولكل الحواس أهميتها في ضبط حقوق النفس، فإذا كان لكبح جماح اللسان قيمته الأخلاقية فإن للسمع والرؤية ـ كما يرى علي عليه السلام ـ قيمتها في التفريق بين ما هو حق وما هو باطل، من ذلك قوله «انه ليس بين الحق والباطل إلا أربعة أصابع، الباطل أن تقول سمعت، والحق أن تقول رأيت»([7]). وكما نلاحظ فإن المقولة تحوي صورة من اروع الصور الحسية القريبة من تصور كل انسان، إذ بوضع أصابع الكف الأربع على الخد بين الأذن والعين يعرف الحق من الباطل، فالرؤية في مجال الشهادة حق، أما السماع فباطل. ففكر علي عليه السلام تجاه حق النفس ينطلق ـ كما نعتقد ـ من كون الإنسان فرد في مجتمع تؤثر علاقته مع نفسه على علاقاته بالآخرين سلباً وإيجاباً بمدى معرفته لنفسه وما عليه من حقوق نحوها)([8]).
الهوامش:
([1]) حسن السيد علي القبانجي ـ شرح رسالة الحقوق 1/72.
([2]) حكم ـ 71.
([3]) ابن شعبة الحراني ـ تحف العقول ص 185.
([4]) ابن أبي الحديد 20/ 297.
([5]) السابق 20/ 263.
([6]) حكم ـ 402.
([7]) خطب ـ 141.
([8]) لمزيد من الاطلاع ينظر: فكر الإمام علي عليه السلام كما يبدو في نهج البلاغة: للدكتور جليل منصور العريّض، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 442-444.