إشارات ريادية للإمام علي (عليه السلام) في الفيزياء الحلقة (3): إشاراته حول القوة الطاردة المركزية

مقالات وبحوث

إشارات ريادية للإمام علي (عليه السلام) في الفيزياء الحلقة (3): إشاراته حول القوة الطاردة المركزية

427 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 11-05-2025

بقلم: أ.د  علي خلف حسن السنيد

الحَمْدُ للهِ عَلى ما أنْعَمَ، وَلَهُ الشُكْرُ عَلى ما ألْهَمَ، والثَناءُ بِما قَدَّمَ، مِنْ عُمُومِ نِعَمٍ ابْتَدَأها، وَسُبُوغُ آلاءٍ أسْداها، وَتَمامٍ مِنَنٍ والاها، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.

أما بعد:
قال الإمام علي (عليه السلام) في خطبته والتي تسمى بالشقشقية «أَنَّ مَحَلِّيَ مِنهَا مَحَلُّ القُطْبِ مِنَ الرَّحَى، يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ، وَلا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ»([1])   

من الحقائق العلمية وجود قوة طبيعية تؤثر في الجسم الدائر حول المحور المماس للدائرة التي يتحرك عليها الجسم، تحاول أن تجعله يسير بخط مستقيم، تسمى بالقوة الطاردة المركزية (القوة المركزية) والتي تعرف بأنها «قوة ناتجة عن التعجيل المسبب من تغير السرعة بسبب تغير اتجاه حركة الجسم عن دورانه حول قوس دائري»([2]) وبتعبير آخر «هي القوة التي يسحب بها الجسم الدائر، الحبل المربوط به، أو يضغط بها على مداره المنحني. وهي لا تؤثر على الجسم الدائر، بل تؤثر على العائق الذي يمنعه من الحركة على خط مستقيم»([3]). وابتكرت آلات ميكانيكية خاصة في الصناعات الحديثة من هذه القوة مثل، آلات تبخير الملابس المبتلة، والأواني الحارة الدوارة التي يصب فيها الحليب فيتناثر منها السائل بعيدا» عن المحور، ويتبخر الماء بتأثير الحرارة وترسب مسحوق الحليب على جدار الوعاء. ويكون اتجاه حركة المحلول في اتجاه الجدار. أي بعيدا» عن المحور.

ما أروع تشبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) لأنه شبه نفسه بالقطب، أي المحور، والخلافة بالرحى، والحال أن هذه الرحى تتطلب محورا قويا يحفظ نظامها في الحركة ويحول دون انحـراف مسارها. ومحله من الخلافة بمحل القطب من الرحى، فكما أن الرحى لا تدور إلا على القطب، ودورانها بغير قطب لا ثمرة له ولا فائدة منه، كذلك نسبتي إلى الخلافة، فإنها لا تقوم إلا بي، ولا يدور أمرها إلا علي. بمعنى: إن الأثر المطلوب من الرحى كما لا يحصل إلا بالقطب ولولاه لم يحصل لـها ثمر قـط، كذلك الثمرة المطلوبة من الخلافـة، أي  هداية الأنام وتبليغ الأحكام ونظام أمور المسلمين وانتظام أمر الدنيا والدين، لا تحصل إلا بوجوده عليه السلام فتكون الخلافة دائرة مدار وجوده كما أن الرحى دائرة مدار القطب، ففيه إشارة إلى عدم إمكان قيام غيره مقامه، واغنائه غناه كما لا يقوم غير القطب ولا يغني عنه. أما قوله «ينحدر عني السيل، ولا يرقى إلي الطير»، فيستدل به عن مدى علمه وسمو مقامه، فهو منبع العلم والمعرفة وكأنه في قمة جبل ينحدر السيل عنه إلى الغيطان، أي إن علمه ينحدر من ذلك النبع الإلهي، ويمثل علو منزلته كمن في السماء التي يستحيل أن يرقى إليها الطير لأنها قمم شاهقة جدا". أي لا يصل إلى مقامه من الفضل والعلم أحد([4])([5])([6])

 نلاحظ تعبير الإمام (عليه السلام) قد أيد قاعدة علمية دقيقة في زماننا هذا وهي اكتشاف القوة الطاردة المركزية، علما انه ذكرها في زمان لم توجد فيه آلات ومختبرات كما موجودة عند اكتشافها. للأستاذ حسين الفريجي تعبير رائع حول هذا المقطع من الخطبة أنقل منه ببعض التصرف "فكـلام أميـر المؤمنين علي (عليه السلام) في الخطبة الشقشقية، كلام مبتكر فيه إبداع يعبر عن فن وعلم غزير ببلاغة وتشبيه عظيم الشأن.. يستحق الإعجاب والتنويه عنه والتنبيه إليه من ناحية الفن الذي لم ينوه عنه الشارحون من قبل ألا وهو قوله (عليه السلام): ((إن محلي منها محل القطب من الرحى ينحدر عني السيل، ولا يرقى إلي الطير)) وقد طرح هذا الموضوع أمام أحد أساتذة الفيزياء من ذوي الاختصاص فقال: إن كلامه (عليه السلام) هو من وجهة الفن يتفق تماما مع الحقائق العلمية وذلك لوجود قوة طبيعية تؤثر في الأجسام الدائرة حول المحور (القطب) تحاول أن تجعلها تسير بخط مستقيم. فلو صب ماء على اسطوانة حاكي تشبه الرحى فان هذا الماء ينحدر عن القطب فعلا ويتناثر بعيدا عنه. وهذا هو المشاهد عمليا بالضبط. ولو جعلنا على هذه الاسطوانة قليلا من الحصى وحركنا آلة الحاكي كحركة الرحى الموضوعة وشبهنا هذه الأجسام بالطيور، فان هذه الأجسام تتناثر نحو الخارج في مستوى الاسطوانة ولا يمكنها أن ترقى إلى المحور بطبيعته لأعلى من مستوى الاسطوانة (الرحى) وهكذا يتضح لنا دقة تعبير الإمام"([7])، فكانت الصورة التي قام عليها النص ((إن محلي منها محل القطب من الرحى...)) صورة" حسيَة حركية قائمة على أساليب بيانية كناية عن علو المنزلة، فولدَت الصورة مثلا" تاريخيا" قائما" على المقابلة بين الحالات المتشابهة بصور معتبرة موحية([8]))([9])

الهوامش:
([1]) نهج البلاغة – خطبة 3 (الشقشقية، ص50.
([2]) التعاليل العلمية لفياض النجم – ص118.
([3]) الفيزياء المسلية ج2 – ص62.
([4]) شرح الخطبة للحكيمي، ص148.
([5]) الإمام علي (عليه السلام) في ملاحم نهج البلاغة، ص168.
([6]) الشقشقية  للغفاري، ص105.
([7]) موسوعة الموسم – مج111 -2015، ص507.
([8]) نهج البلاغة صوت الحقيقة، ص79-80.
([9]) لمزيد من الاطلاع ينظر: إشارات ريادية للإمام علي (عليه السلام) في الفيزياء والرياضيات / تأليف: الأستاذ الدكتور علي خلف حسن السنيد، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 60-63.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3054 Seconds