مِنَ الآيات المتعلقة بالإمام علي (عليه السلام) الحلقة (3): الدلالة القرآنية للفظة (مُؤمِنا) وما يتصل بها

مقالات وبحوث

مِنَ الآيات المتعلقة بالإمام علي (عليه السلام) الحلقة (3): الدلالة القرآنية للفظة (مُؤمِنا) وما يتصل بها

447 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 14-05-2025

بقلم: رضي فاهم عيدان

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله كما هو أهله وكما يستحقه حمدًا كثيرًا وأعوذ به من شر نفسي إنّ النفس لأمارةٌ بالسوء إلاّ ما رحم ربي، والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمّدٍ الأمين وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

إما بعد:
استُعملت لفظةُ (مؤمن) في القرآن الكريم بمعنى (مُصدِّق)؛ كما يدلُّ عليه قوله تعالى: {قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف:17]، فـ(مؤمن) بمعنى مُصدِّق ويدل عليه تعديته باللام([1]) . 
ومن اللافت للنظر أن هذه اللفظةَ قد اقترنتْ بعبارة (عَمل صالحاً) و (يعملُ صالحاً) في موارد تكرارها في التعبير القرآني؛ قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النحل:97]   
{وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} [طه:112]  
{مَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} [الأنبياء:94]    
{مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [غافر:40]  
{وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرً ا} [النساء: 124].
ويُلاحظ في الآيات السابقة أنَّ لفظةَ ( مؤمن) قدْ جاءتْ خبرًا في الجملة  الحالية في سياقِ الشرطِ، وتحَقُّقِ الشرط مقرونٌ بحالٍ يتلبَّس بها مَن يعمل الصالحات (وهو مؤمن ) ليجري إنجاز الشرط أي في حال كونه مؤمن ،  قال ابنُ يعيش: ((والشرطُ إنّما يكونُ بالمستقبلِ لأنَّ معنى تعليقِ الشيءِ على شرط ٍ إنَّما هو وقوفُ دخولِه في الوجودِ على دخولِ غيرِه في الوجود ...إذْ كان وجودُ الثاني موقوفاً على الأول )) ([2])، ويقول أيضاً في معنى الشرط : ((إنما وجب أن تكون الجملتان فعليتين من قبل أن الشرط إنما يكون بما ليس في الوجود ويحتمل أن يوجد وأن لا يوجد)) ([3])، ويفهم منه أنَّ شرطَ الإيمانِ في العملِ الصالح  غيرُ متحققِ الوجود بعد بحسب دلالة هذه الآيات ، وإنما هو قيد فيه مرغوب في تحققِه ، في حينِ أن (مُؤمناً) في الآية مورد البحث ، كما أسلفنا ، ذاتٌ قد سبقَ منها الإيمانُ لانفرادها بالاقتران بـ( كان) ؛ فيصُحُّ منها تحقُق الشرطِ الذي افترضتُه الآياتُ الكريمةُ السابقة {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} في هذه الذاتِ المؤمنة ، وما يعتمد عليه من استحقاقِها للجزاء الإلهي الذي وردَ في هذه الآيات وتم ذكره في ما سبق ؛ لأنها ذاتٌ متلبسةٌ في الإيمان متمكنةٌ فيه ، وهذا المعنى خلاف لسياقات اللفظة في الآيات الأُخر ([4]).

الهوامش:
([1]) ينظر الكشاف : 2/433 ، والتحرير والتنوير: 12/35 .
([2]) شرح المفصل : 8/155  .
([3]) المصدرالسابق : 8/157  .
([4]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الآيات المتعلقة بالإمام علي (عليه السلام)/ دراسة في ضوء المعنى النحوي الدلالي، تأليف: رضي فاهم عيدان، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 64-66.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3462 Seconds