بقلم: رضي فاهم عيدان
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله كما هو أهله وكما يستحقه حمدًا كثيرًا وأعوذ به من شر نفسي إنّ النفس لأمارةٌ بالسوء إلاّ ما رحم ربي، والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمّدٍ الأمين وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
إما بعد:
الاستثناء:
يقوم الاستثناء – في ما لو كان متصلاً - على معنى إخراج شيءٍ من شيء ؛ قال سيبويه : بخصوص الاستثناء بـ( إلاّ ) بهذا المعنى :(( أن يكون الاسم بعدها خارجاً مما دخل فيه ما قبله، عاملاً فيه ما قبله من الكلام، كما تعمل عشرون فيما بعدها إذا قلت عشرون درهماً )) ([1]) ، وقد وردت لفظة ( القربى ) في سياق الاستثناء ؛ إذ كان له أثرٌ في إبراز خصوصية اللفظة ؛ قال الزمخشري : ((يجوزُ أنْ يكونَ استثناءً متصلاً، أي لا أسألكم عليه أجراً إلا هذا، وهو أن تودُّوا أهلَ قرابتي )) ([2]) وأجاز العكبري(ت616هـ) فيها وجهي الاستثناء ، قال:(( { إلا المودةَ }: استثناء مُنْقَطِع، أو العكس وقيل : هو مُتَّصل ؛أي لا أسألُكم شيئاً إلا المودَّةَ في القُرْبى فإنى أسألكمُوها.))([3]).
وهذا الأُسلوب يمنحُ مزيدَ خصُوصيةٍ للـ( القربى ) وأنها ليست ذات دلالة عامة ؛ باعتبار أن الاستثناء دالٌّ على الحصر، جاء في البرهان ((قال الرماني في تفسيره معنى (إلاّ ): اللازمُ لها الاختصاص بالشئِ دونَ غيرِه ، فإذا قلت : (جاءني القومُ إلاّ زيداً)، فقد اختصصت زيداً بأنه لم يجئ ، وإذا قلتْ: (ما جاءني إلا زيدٌ)، فقد اختصصتَهُ بالمجيء ، وإذا قلت: (ما جاءني زيدٌ إلا راكباً)، فقد اختصصتَ هذه الحال دونَ غيرِها من المشْيِ والعدْوِ ونحوِه )) ([4])، فالاختصاصُ متعلقٌ بمودةِ القُربى ولا يشاركُهم أحد بهذه المودة .
وقد فَهِمَ الأخفشُ(ت215هـ) الاستثناء في الآيةِ على معنى الإخراجِ بقولِه: ((وقالَ: {إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} استثناء خارج. يريدُ - واللهُ أعلم - إلاَّ أَنْ أذكرَ مودَّةَ قرابتي.)) ([5]) والإخراجُ قريبٌ من معنى الاختصاص، وهو ما أشارَ إليه ابنُ يعيش(ت643هـ) بقوله: ((استثناء الشيءِ من جنسِه إخراجُ بعضِ ما لولاه لتناولِه الأولُ، ولذلك كانَ تخصيصاً على ما سبق)) ([6]) والخلاصة أن المقصود من الآية اختصاص المودَّة بذي القربى من دونِ غيرهم.
دلالة (في):
منحَ التعبيرُ بـ(في) من دونِ غيرِها من الحروفِ المناسبة بُعدًا دلاليًا للـفظةِ (القربى) زادَ في بيانها؛ إذ جعل منها وكأنها موضعًا تستقرُ فيه المودّةُ وهو زيادة اختصاصٍ لها؛ وقد أشار إليه الزمخشري بقوله: ((فإنْ قلتَ: هلا قيلَ: إلا مودّةَ القُربى: أو إلا المودةَ للقُربى. وما معنى قوله: {إِلاَّ المودة فِي القربى} [الشورى: 23]؟ قلتُ: جُعِلوا مكاناً للمودةِ ومقراً لها، كقولك: لي في آل فلان مودّة. ولي فيهم هوىً وحبٌ شديد، تريد: أحبُّهم وهم مكانُ حبِّي ومحلُّه، وليست (في) بصلة للمودَّة، كاللام إذا قلت: إلا المودّة للقربى. إنما هي متعلقة بمحذوف تعلق الظرف به في قولك: المال في الكيس. وتقديره: إلا المودّة ثابتة في القربى ومتمكنة فيها.)) ([7]).وبهذا تكون دلالة في على الظرفية بجعل مدخولها القربى (مظروفًا) لتجتمع فيها المودة) ([8]) .
الهوامش:
([1]) الكتاب : 2/309 .
([2]) الكشاف : 4/213 .
([3])التبيان في إعراب القرآن: ج/383 .
([4])البرهان في علوم القرآن : 4/268 .
([5])معاني القرآن : سعيد بن مسعدة المجاشعي المعروف بالأخفش الأوسط : 2/268 .
([6]) شرح المفصل : 2/79 .
([7]) الكشاف : 4/213 .
([8]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الآيات المتعلقة بالإمام علي (عليه السلام)/ دراسة في ضوء المعنى النحوي الدلالي، تأليف: رضي فاهم عيدان، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 122-124.