بقلم: أ.د علي خلف حسن السنيد
الحَمْدُ للهِ عَلى ما أنْعَمَ، وَلَهُ الشُكْرُ عَلى ما ألْهَمَ، والثَناءُ بِما قَدَّمَ، مِنْ عُمُومِ نِعَمٍ ابْتَدَأها، وَسُبُوغُ آلاءٍ أسْداها، وَتَمامٍ مِنَنٍ والاها، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.
أما بعد:
في موسوعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للقرشي([1])، وأيضا في كتاب القرآن والناس لمحمود مهدي، روي إن الإمام علي (عليه السلام) كان جالسا على نهر الفرات وبيده قضيب، فضرب به على صفحة الماء وقال ((ولو شئت لجعلت (لاستخرجت) لكم من الماء نورا» ونارا»)) وهنا دلالة إلى ما في الماء من طاقة يمكن أن تولَد النور والنار فالأول هو الكهرباء والثاني هو الطاقة الحرارية. حيث إن الماء كما هو معروف يتركب من عنصرين هما الهيدروجين والأوكسجين فالأول منهما قابل للاحتراق وإعطاء النور، والثاني يساعد علة الاحتراق ويعطي الطاقة الحرارية.
وفي كتاب الإمام علي(عليه السلام) منتهى الكمال البشري للموسوي([2])، جاءت الرواية كالأتي: عندما مر الإمام علي(عليه السلام) بالفرات في إحدى المرات، وقد رأى غزارة مائه وقوة تدفقه، وقف متأملا ما يرى، ثم قال (عليه السلام) لأصحابه المحيطين به: ((لو شئت لاستخرجت من هذا نارا")) وفي بعض النسخ وردت كلمة نورا" بدلا من كلمة نارا"، ولا خلاف في ذلك، لأن الطاقة الكهربائية المتولدة عن قوة تدفق الماء يمكن أن تتحول إلى نور وطاقة لخدمة الإنسان، ويمكن بنفس الوقت أن تتحول إلى طاقة مدمرة ومهلكة للإنسان أيضا" إذا أسيء استخدامها، وهي بذلك نور ونار.
كما إن وجود المـاء الثقيـلD2O في المـاء الطبيعـي بنسبة قليلة تقدر بـ 2 إلى 10000 يجعله أفضل مصدر طبيعي للهيدروجين الثقيـل الذي نسميه الديوتيريوم والـذي يرمـز لـه بالرمز D أو H2ويمثل أحد العناصر الثلاثة الطبيعية للهيدروجين، وهو حجر الأساس في تركيب القنبلة الهيدروجينية القائمة على اندماج ذرتين من الديوتيريوم لتشكيل الهليوم، علما بأن الطاقة الناتجة عن هذا الاندماج، والتي هي منشأ طاقة الشمس، والتي تفوق آلاف المَرات الطاقة الناتجة عن القنبلة الذرية التي تقوم على انشطار اليورانيوم([3]).
ولا ريب في أن هذا فتح علمي لم يتوصل إليه العلماء إلا بعد عدة قرون من قول الإمام (عليه السلام) والذي بشر به، وقد أدركه العقل البشري بعد جهود مضنية، ولم يكن وليد الصدف العشوائية التي يرجع إليها العاجزون، وإنما كلف حصوله الكثير من المشقات، وهو بعد ذلك يعتبر من أهم الاكتشافات خدمة للبشرية. لكن أولئك الذين كانوا معه (عليه السلام) وعاشوا في زمنه، لا يستطيعون استيعاب هذا الاكتشاف، لأن عقولهم وأذهانهم لا تمتلك القابلية على إدراك وفهم ما يمكن أن يشرحه الإمام لهم، فكثير منهم قد توجسوا ريبة من هذه الدعوة التي يدعيها بإخراج النار من الماء، والتي أصبحت بعد قرون حقيقة.
هذه المعاني الدقيقة والأسرار العميقة تضمنها قول الإمام (عليه السلام) لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خطبته «بَلِ انْدَمَجْتُ عَلَى مَكْنُونِ عِلْم لَوْ بُحْتُ بِهِ لاَضْطَرَبْتُمُ اضْطِرَابَ الاْرْشِيَةِ في الطَّوِيِّ البَعِيدَةِ!»([4]) انطويت على علم والتففت عليه، كاضطراب حبل الدلو في البئر العميقة. والبعض فسر قوله هذا بعلمه (عليه السلام) بعالم الآخرة، أي إني لأعلم بمسائل الآخرة بما لو بحت لكم به لما وسعكم الاستقرار ولعشتم الاضطراب)([5]).
الهوامش:
([1]) موسوعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب،-ج7،ص 36..
([2]) الإمام علي (عليه السلام) منتهى الكمال البشري، ص121..
([3]) تصنيف نهج البلاغة ص 782، سلوا عليا الإمام علي (عليه السلا)، ص533.
([4]) نهج البلاغة – خطبة 5، ص58..
([5]) لمزيد من الاطلاع ينظر: إشارات ريادية للإمام علي (عليه السلام) في الفيزياء والرياضيات / تأليف: الأستاذ الدكتور علي خلف حسن السنيد، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 63-65.