الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين أبي القاسم محمد وآله الطاهرين، وبعد
خلق الله سبحانه الانسان وأودع فيه الفطرة، قال تعالى: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [سورة الروم: 30].
جاء في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: (فَطَرَ الْخَلَائِقَ بِقُدْرَتِه، ونَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِه، ووَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِه)[1].
قال الإمام الباقر (عليه السلام): (فطرهم على معرفته أنه ربهم ، ولولا ذلك لم يعلموا إذا سئلوا من ربهم ومن رازقهم)[2].
فالإنسان مجبول على الفطرة فهو يعرف من هو خالقه ورازقه، وقد أخذ سبحانه الميثاق على الخلق في تلك العوالم التي سبقت عالم الدنيا ذلك بقوله : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ }[سورة الأعراف: 172][3].
فالكل شهدوا وأقروا له سبحانه بالربوبية وكان ذلك الموقف حجة على الناس جميعا ذلك بإقرارهم، فمن كفر بعد ذلك كان من الخاسرين.
قال الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ ....} قال: ثبتت المعرفة في قلوبهم، ونسوا الموقف، وسيذكرونه يوما، ولولا ذلك لم يدر أحد من خالقه ولا من رازقه)[4].
والانسان بفطرته إذا أصابه شيء وانقطعت عنه السبل يتوجه لله بالدعاء والخضوع والخشوع فهذه هي الفطرة قال تعالى: { وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ } [ سورة الزمر: 8].
وقوله تعالى: { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [سورة العنكبوت: 65].
عن الحسن بن علي بن محمد (عليهم السلام) في قول الله (عز وجل): (بسم الله الرحمن الرحيم)؟ فقال: الله هو الذي يتأله إليه عند الحوائج والشدائد كل مخلوق عند انقطاع الرجاء من كل من هو دونه، وتقطع الأسباب من جميع ما سواه، يقول: بسم الله أي أستعين على أموري كلها بالله الذي لا تحق العبادة إلا له، المغيث إذا استغيث، والمجيب إذ دعي، وهو ما قال رجل للصادق (عليه السلام): يا ابن رسول الله دلني على الله ما هو ؟ فقد أكثر علي المجادلون وحيروني، فقال له: يا عبد الله هل ركبت سفينة قط ؟ قال: نعم قال: فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟ قال: نعم قال: فهل تعلق قلبك هنالك أن شيئا من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟ فقال نعم، قال الصادق (عليه السلام): فذلك الشيء هو الله القادر على الانجاء حيث لا منجي، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث ..[5].
ومن الأدلة الواضحة على وجوده سبحانه هذه الصنعة وهذا الخلق العجيب من انسان وحيوان وأشجار ونجوم وأقمار وغيرها من الموجودات، فكل ذلك يدل على أن هنالك صانعا عظيما قد اتقن كل شيء قال تعالى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [سورة النمل: 88].
كذلك بالعقل نستدل عليه سبحانه قال الإمام (عليه السلام): (بصنع الله يستدل عليه، وبالعقول يعتقد معرفته، وبالفطرة تثبت حجته)[6].
والحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
[1] - نهج البلاغة، الخطبة: الأولى، ص39.
[2] - تفسير نور الثقلين، الشيخ الحويزي، ج4، ص186.
[3] - الأعراف: 172.
[4] - المحاسن، أحمد بن محمد بن خالد البرقي، ج1، ص241.
[5] - التوحيد، الشيخ الصدوق: ص231.
[6] - التوحيد، ص35.