وصف البدع والتحذير منها عند أمير المؤمنين (عليه السلام).

مقالات وبحوث

وصف البدع والتحذير منها عند أمير المؤمنين (عليه السلام).

5K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 07-03-2019

وصف البدع والتحذير منها عند أمير المؤمنين (عليه السلام).

 

الباحث: علي فاضل الخزاعي

 

الحمد لله هادي الورى طرق الهدى، وزاجرهم عن أسباب التهلكة والردى، وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفاهم لهداية الناس الى الطريق الحق، والابتعاد عن همزات الشياطين.

 

أما بعد..

 

ففي بادئ البحث لابد أن نبين للقارئ الكريم المعنى العام لمفهوم البدعة وأقسامها وكيف حذرنا أمير المؤمنين من هذه الظاهرة، وعليه نقول في معنى البدعة:

 

البدع لغة : إحداث شيء لم يكن له من قبل خلق ولا ذكر ولا معرفة، والله بديع السماوات والأرض ابتدعهما، ولم يكونا قبل ذلك شيئا يتوهمهما متوهم، وبدع الخلق، والبدع: الشيء الذي يكون أولا في كل أمر، كما قال الله (عز وجل): {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ}[1]، أي: لست بأول مرسل[2]، ومعناها كذلك إحداث وقد ابتدعته وبَدَعْته، وشيء بَديع مُبْتَدَع، ومنه بَدَعْت الرّكِيَّة أي استنبطتها، والبِدْع: الشّيء الذي يكون أولاً، ولستُ ببِدْعٍ في كذا، أي لست بأول من أصاب هذا، والبِدْعَة: ما ابْتُدع من الأديان والآراء والأهواء، والبّديع المُحْدَث العجيب، والبَديع: المُبْدِع ومنه: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[3]، أي مُبْتَدِعهما، والبِدْع والبَديع: المُبتدَع من كل شيء[4].

 

وفي الاصطلاح الشرعي: تشريعٌ بشريٌّ وضعي، ينصبُ نفسه في مقابل التشريع الإلهي المقدّس، ويضاهي السُنَّة الشريفة، ويتحدى تعاليمَ السماء[5].

 

على ماذا تطلق البدعة:

 

تنقسم محدثات الأمور بعد عهد النبيّ صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم على أقسام لا يطلق اسم البدعة إلَّا على ما هو محرّم منها:

 

1-    الواجب: كتدوين القرآن والسنّة؛ إذا خيف عليها التفلَّت من الصّدور فانّ التّبليغ للقرون الآتية واجب إجماعا ولا يتمّ إلَّا بالحفظ، وهذا في زمن الغيبة واجب، وأمّا في زمان ظهور الإمام عليه السّلام لأنّه الحافظ لها حفظا لا يتطرّق إليه خلل.

 

2-     المحرّم: وهو كلّ بدعة تناولها قواعد التّحريم وأدلَّته من الشريعة كتقديم غير المعصومين عليهم وأخذهم مناصبهم واستيثار ولاة الجور بالأموال ومنعها مستحقّها وقتال أهل الحقّ وتشريدهم وإبعادهم والقتل على الظنّة والالزام ببيعة الفسّاق والمقام عليها وتحريم مخالفتها والغسل في المسح والمسح على غير القدم، وغيرها.

 

3-    المستحبّ: وهو ما تناولته أدلَّة النّدب كبناء المدارس والرّبط، وليس منه اتخاذ الملوك الأهبة ليعظموا في النّفوس اللَّهمّ إلَّا أن يكون مرهبا للعدوّ.

 

4-    المكروه: وهو ما شملته أدلَّة الكراهة كالزّيادة في تسبيح الزّهراء عليها السّلام وساير الموظَّفات أو النقيصة منها والتنعّم في الملابس والمآكل بحيث يبلغ الاسراف بالنّسبة إلى الفاعل وربّما أدّى إلى التّحريم إذا استضرّبه هو وعياله.

 

5-    المباح: وهو الدّاخل تحت الأدلَّة المباحة كنخل الدّقيق فقد ورد أوّل شيء أحدثه النّاس بعد رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم اتّخاذ المناخل لأنّ لين العيش والرّفاهية من المباحات فوسيلته مباحة انتهى كلامه رفع مقامه[6].

 

وعليه نجد أن أمير المؤمنين (عليه السلام) ذم البدعة، وأمر بتركها؛ كونها تعد من خطوات الشيطان والنهي عن متابعة البدع والتّنبيه على ضلالها والأمر بالتجنّب عنها كونها وتؤدي بصاحبها ومن يخطو خطاه بالضلالة، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (وَمَا أُحْدِثَتْ بِدْعَةٌ إِلَّا تُرِكَ بِهَا سُنَّةٌ فَاتَّقُوا الْبِدَعَ وَالْزَمُوا الْمَهْيَعَ[7] إِنَّ عَوَازِمَ الْأُمُورِ أَفْضَلُهَا وَإِنَّ مُحْدِثَاتِهَا شِرَارُهَا)[8].

 

وكذلك حذر من أهل البدعة كونهم خالفوا أمر الله عز وجل وعملوا برأيهم وما تهوى قلوبهم يقول (عليه السلام): (أما أهل البدعة فالمخالفون لأمر الله ولكتابه ورسوله، العاملون برأيهم وأهوائهم وإن كثروا)[9]، ونرى  في كثير من الأحيان سبب وقوع الفتن هو مخالفة كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله)، وهذا بحد ذاته أصل الخذلان وفساد الدنيا والآخرة والذلّ والهوان، يقول (عليه السلام): ( إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع ، وأحكام تبتدع ، يخالف فيها كتاب الله ، يتولى فيها رجال رجالا )[10].

 

ولا تحل لصاحب البدعة بالتوبة لأن صاحب البدعة مشغول بهدم بناء الإسلام، فمن أتاه وعظمه فقد أحبه ونصره وأعانه على عمله ، جاء عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): (أبى الله لصاحب البدعة بالتوبة) قيل: يا رسول الله، وكيف ذلك؟ قال : إنه قد أشرب قلبه من حبها)[11]، وقال الإمام علي (عليه السّلام : (من مشى إلى صاحب بدعة فقد سعى في هدم الإسلام)[12].

 

وعليه بعد البحث عن بيان مفهوم البدعة نرى أن مصطلح البدعة يطلق على محدثات الأمور المحرمة التي تؤدي الى تشويه الدين وتمويهه فليست هنالك بدعة حسنة؛ وصاحب البدعة يسر على غير الطريق الصحيح، ويتحمل وزر عمله ووزر من عمل به الى يوم القيامة، فنعوذ بالله منهم ومن شرهم.

 

والحمد لله رب العالمين.

الهوامش:

[1] - سورة الاحقاف: الآية 9.

[2] - العين: الخليل الفراهيدي، (ت:175هـ) تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي - الدكتور إبراهيم السامرائي، ط2، 1409، الناشر: مؤسسة دار الهجرة - إيران – قم، ج2، ص54.

[3] - سورة البقرة: الآية 117.

[4] - ينظر: المخصص: ابن سيده، (ت:458هـ)، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت – لبنان، ج4 ق1، ص65.

[5] - صلاة التراويح، سنة مشروعة أو بدعة محدثة؟: الشيخ جعفر الباقري، ط1، 1427 - 2007 م، المطبعة: ستاره، الناشر: مركز الأبحاث العقائدية - ايران - قم المقدسة، ص98.

[6] - ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: حبيب الله الخوئي، (ت: 1324هـ)، تحقيق: سيد إبراهيم الميانجي، ط4، مطبعة الاسلامية بطهران، ج3، ص253.

[7] - المهيع: الطريق الواضح. جمهرة اللغة، أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي (المتوفى: 321هـ)، تحقيق: رمزي منير بعلبكي، دار العلم للملايين – بيروت، ط1، 1987م: 3/ 954.

[8] - نهج البلاغة: تحقيق (د. صبحي الصالح)، الخطبة 145 ذم البدعة، ص254.

[9] - الاحتجاج: الشيخ الطبرسي، (ت: 548هـ)، تحقيق: تعليق وملاحظات: السيد محمد باقر الخرسان، 1386 - 1966م، دار النعمان للطباعة والنشر - النجف الأشرف، ج1، ص246.

[10] - مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة): الميرجهاني، (ت: 1388هـ)، ج2، ص59.

[11] - روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، محمد تقي المجلسي (الأول)، (ت: 1070هـ) تحقيق: نمقه وعلّق عليه وأشرف على طبعه «السيد حسين الموسوي الكرماني والشيخ علي پناه الإشتهاردي»، محرم الحرام 1398، العلمية – قم، بنياد فرهنك اسلامي حاج محمد حسين كوشانپور، ص328.

[12] - الوافي: الفيض الكاشاني، (ت: 1091هـ) تحقيق: عني بالتحقيق والتصحيح والتعليق عليه والمقابلة مع الأصل ضياء الدين الحسيني «العلامة» الأصفهاني، ط1، أول شوال المكرم 1406 ه‍. ق 19 / 3 / 65 ه‍. ش، طباعة أفست نشاط أصفهان، مكتبة الامام أمير المؤمنين علي (ع) العامة – أصفهان، ج1 ص245.

المقالة السابقة المقالة التالية

Execution Time: 0.3484 Seconds