الحسد بين الوصف والمعالجة عند الإمام علي (عليه السلام)

مقالات وبحوث

الحسد بين الوصف والمعالجة عند الإمام علي (عليه السلام)

12K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 06-03-2019

الحسد بين الوصف والمعالجة عند الإمام علي (عليه السلام)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصَّلَاة والتَّسليم على طبيب نفوسنا وحبيب قلوبنا مُحَمّد (صلَّى الله عليه وآله) وعلى أهل بيته وصحبه المنتجبين.

 

الباحث: الشّيخ سجاد عبد الحليم الرّبيعي

 

إن الحسد من الآفات البشرية المقيتة، التي تدل على دناءة وخبث في النفس وأنانية، فلم نجد صفة رذيلة كالحسد في زراعة الآفات والأحقاد فقد كانت السبب وراء المشاكل الاجتماعية التي يشهدها المجتمع الإنساني طيلة التاريخ، فأغلب الناس إثر ضعف الإيمان وعدم الثّقة بالنّفس وقلّة العلم وهبوط المستوى الثّقافي، ما إن يرى بعض النجاحات التي يحققها أقرانه أو أمثاله حتى تشتعل في قلبه فتائل الحسد؛ فلا يهم سوى في كيفية تحطيم نفسية المقابل عن طريق الاتهام والتّحقير والذم ومحاولة الانتقاص أو إيجاد بعض الموانع والمعوقات في طريقه، بدلاً من الشعور بالفرح والسّرور والاحتذاء به من أجل تحقيق النّجاح والتغلب على الصّعاب، والانفتاح على تجاربه وإرشاداته، وقد يشتد هذا الحسد حتى يبلغ درجة تدعو إلى إراقة دم المحسود من لدن الحاسد، ولا ننسى هنا ما سجلته الحوادث الأليمة التي وقعت من أول دم أريق كان سببه الحسد، الذي دفع بقابيل لقتل أخيه هابيل، حيث قبل قربان الثاني ولم يقبل قربان الأول، الأمر الذي تكرر كثيرا في التاريخ حتى قتل الأخ أخاه والابن أباه وبالعكس.  وهكذا تعود أغلب الحوادث الأليمة التي وقعت في صدر الإسلام ولا سيما في عصر خلافة أمير المؤمنين عَلِيّ (عليه السَّلَام) إلى الحسد،  الأمر الذي أشار إليه الإمام (عليه السَّلَام) في خطبه وكلماته الشّريفة التي استعرض فيها إلى ذم هذه الرّذيلة، التي لا تجر سوى الفساد على المجتمع، فقد قال الإمام عَلِيّ(عليه السَّلَام): (الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)[1].

 يشير (عليه السَّلَام) إلى صيرورة الحسد الذي هو السبب في استحقاق العقاب، وإحباط الثواب، كأنَّه يأكل تلك الحسنات، لأنَّه يذهبها ويفنيها، ويسقط أعيانها ويعفيها.

 

وإنما شبه (عليه السلام) في أكله الحسنات بالنّار التي تأكل الحطب؛ لأنَّ الحسد يجري في قلب الإنسان مجرى النار، لاهتياجه واتقاده وإرماضه وإحراقه، إذ هو يعيش حالة الاضطراب الدّائم، كلما تجددت النّعمة لمحسوده، يشغل نفسه بما لدى الغير فلا يتمتع بما عنده من النّعم، ويعيش حالة التبرم والضجر والاعتراض على قضاء الله وقدره، ولا شك بأن هذه الصفة مقدمة لصفات سلبية أخرى أعظم وأعظم،  قال تعالى: ﴿أمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا﴾[2]، وقوله تعالى ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾[3]

 

ومن هنا قال أمير المؤمنين (عليه السَّلَام): (ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد نفس يتضور، وزفير يتردد، وحزن يتجدد)[4].

 

وفيما نحن بصدد لعل من المفيد أن نذكر هذه القصة عن الحسد  نقل أنه قال السَّيِّد المرعشي النّجفي )رحمة الله عليه)، عندما كان يتحدث عن الحسد: كان والدي يحضر درس المحقق الآخوند (صاحب الكفاية)، وكنت أرافقه في الطريق، وكان يرى شخصاً ممن تلبس بزي أهل العلم، وما كان يراه والدي إِلَّا ويدعو عليه قائلاً: (اللهم اخذله في الدّنيا والآخرة) وسمعت ذلك منه مراراً، فسألته يوماً عن السبب؟ فقال والدي: هذا الذي تراه كان يحضر مع شيخ آخر من بلدته درس الآخوند، وكان الأستاذ يمدح صاحبه بالذكاء والفطنة، وإذا بفتيلة الحسد قد اشتعلت في وجود هذا الشيخ.. وفي يوم ابتلى صاحبه -أي الطالب الذّكي- بالزّكام، فكنت عنده لعيادته، فدخل هذا الشّيخ وقال له: عندي دواؤك، فجاءه بمسحوق ووضعه في إناء وناوله.. وبعد سويعة أخذ المسكين يتقيأ، وتغير لونه، وبعد ساعات ارتحل إلى جوار ربه.. وعلمنا أنه سقاه السّم، وذلك من شدة حسده، وقد أيتم أربعة أطفال من حنان الأب.. فهكذا يفعل الحسد بأهله، ويأكل الإيمان، كما تأكل النار الحطب.[5]

 

أما النقطة المهمة التي نبه عنها أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) في كيفية التّعامل مع هذه الرذيلة المقيتة، وتكمن في ضرورة عدم مقابلة المحسود للحاسد بالمثل، بل يسعى جاهدا لإطفاء نار الحسد من قلبه عن طريق شكر النعمة ومداراة الحاسد وإطفاء حسده بمعاملته بالحب والإحسان، وما أحسن ما قال الشاعر:

 

إصبر على حسد الحسود فإن صبرك قاتله *** النَّار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله[6] .

الهوامش:

[1] مستدرك الوسائل، ميرزا حسين النوري الطّبرسي: 12 /17.

[2] سورة النساء، الآية: 54.

[3] سورة البقرة، الآية: 109.

[4] تحف العقول عن آل الرسول (صلَّى الله عليه وآله)، ابن شعبة الحراني:217.

[5] قصص وخواطرمن اخلاقيات علماء الدين، الشيخ عبد العظيم المهتدي البحراني، مؤسسة البلاغ للطّباعة والنّشر والتوزيع - بيروت لبنان، ط2،  2009: 530 .

[6] مروج الذهب ومعادن الجوهر، المسعودي (ت: 346 هـ)، ط2 ،1404 - 1363 ش - 1984 م منشورات دار الهجرة ايران – قم:205.

المقالة السابقة المقالة التالية

Execution Time: 0.3059 Seconds