ولادة الأمير بشارة الإسلام

مقالات وبحوث

ولادة الأمير بشارة الإسلام

5K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 21-03-2019

ولادة الأمير بشارة الإسلام

 

الباحث: علي عباس فاضل

 

الحمد لله الذي جعل الولاية حصنا من الكفر والضلال، والصلاة على رسوله الذي بلَّغ فأتم وأكمل فأرتضى، والسلام على الوصي المتمم والولي المطاع وآل بيته الذين فرض الله علينا طاعتهم ومحبتهم، أما بعد:

 

فقد تجلت عظمة الخالق في ولادة مولى الموحدين، إذ خصها الله سبحانه بكرامات كثيرة، منها إنها كانت في بيته المقدس، فقد جعله الله مهدا لوليه، يحتضن الولادة المقدسة، ولادة النور الإلهي، والعطر النبوي، الإمام الهادي المهدي، الطاهر الزكي، البر النقي، إمام المتقين ونفس رسول رب العالمين، علي أمير المؤمنين.

 

الأول السابق لكل فضيلة ومنقبة، فهو أول هاشمي ولد من هاشميين، وأول من ولد في الكعبة، وأول من آمن، وأول من صلى، وأول من بايع، وأول من جاهد، وأول من تعلم من النبي، وأول من صنف، وأول من ركب البغلة في الاسلام بعد النبي، وكذلك فهو الآخر في الفضائل التي يُختم بها، فهو آخر الأوصياء ، وآخر من آخى النبي ، وآخر من فارقه عند موته ، وآخر من وسده في قبره وخرج([1]).

 

 بعض هذه الفضائل إنما ترتبط بسيرته عليه السلام مع رسول الله صلى الله عليه وآله، إذ تكفل رسول الله صلى الله عليه وآله منذ ولادته بتربيته وتنشئته، فأغدق عليه من فيض العلم الرباني والمعرفة المحمدية، فقد جاء أن فاطمة بنت أسد سلام الله عليها حين حانت ولادتها جاءت إلى الكعبة فأمسكت جدارها وقالت: (ربِّ إنّي مؤمنةٌ بك وبما جاء من عندك من رُسُلٍ وكُتُب وإنّي مصدّقةٌ بكلام جدّي ابراهيم الخليل(عليه السلام) وأنّه بنى البيت العتيق، فبحقّ الذي بنى هذا البيت، وبحقّ المولود الذي في بطني لما يسَّرْت عليَّ ولادتي)، فانفتح لها حائطُ البيت عن ظهره ودخلت فاطمةُ فيه، ثمّ التزق الحائط، ولمّا رأى مجموعةٌ من الناس ذلك، حاولوا فتحَ الباب فلم يستطيعوا، فعلموا أنّ ذلك من أمر اللّه عزّ وجلّ. ثمّ خرجت بعد الرابع وعلى يدها أميرُ المؤمنين(عليه السلام) وبعد خروجها ذهب البشيرُ إلى أبي طالب (عليه السلام) ليبشّر بخروج زوجته مع وليدها، فأقبل هو وأهلُ بيته مسرعين، وتقدّم من بينهم النبيّ (صلى الله عليه وآله) فضمّه الى صدره، وحمله الى بيت أبي طالب...)([2])، فاجتمع النور الذي تفرق في صلب عبد الله وأبي طالب في بيت واحد وتكامل بعضه ببعض، فأضاء طريق الرسالة الإلهية لتنزل إلى الناس أجمع، ففي ولادته المباركة عليه السلام اكتملت مراحل التكوين التي تخص الدعوة إلى دين الله، لأنه سيكمل مسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله في اكمال الدين واتمام النعمة على الناس وهذا ما أكده الباري في كتابه (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)([3]).

 

والولادة بالكعبة من الفضائل التي لم تكن لأحد قبله ولا بعده([4])، إذ لما خرجت فاطمة بنت أسد سلام الله عليها من الكعبة قالت: (قالت: معاشر الناس، إن الله (عز وجل) اختارني من خلقه، وفضلني على المختارات ممن مضى قبلي، وقد اختار الله آسية بنت مزاحم فإنها عبدت الله سرا في موضع لا يحب أن يعبد الله فيه إلا اضطرارا، ومريم بنت عمران حيث اختارها الله، ويسر عليها ولادة عيسى، فهزت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتى تساقط عليها رطبا جنيا، وإنّ الله تعالى اختارني وفضّلني عليهما، وعلى كلّ من مضى قبلي من نساء العالمين، لأنّي ولدت في بيته العتيق، وبقيت فيه ثلاثة أيّام آكل من ثمار الجنّة وأوراقها، فلمّا أردت أن أخرج وولدي على يدي هتف بي هاتف وقال: يا فاطمة، سمّيه عليًّا، فأنا العليّ الأعلى، وإنّي خلقته من قدرتي، وعزّ جلالي، وقسط عدلي، واشتققت اسمه من اسمي، وأدّبته بأدبي، وفوّضت إليه أمري، ووقفته على غامض علمي، وولد في بيتي، وهو أوّل من يؤذّن فوق بيتي، ويكسر الأصنام ويرميها على وجهها، ويعظّمني ويمجّدني ويهلّلني، وهو الإمام بعد حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي محمّد رسولي، ووصيّه، فطوبى لمن أحبّه ونصره، والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقّه)([5]).

 

فقد كانت الولادة المباركة هي البشرى ببزوغ فجر الإسلام ونبوة محمد صلى الله عليه وآله، والقضاء على الأصنام وعبادتها، واختار الله لهذا المولود اسمه العلي ليكون مشتقا من اسمه تبارك وتعالى، لأنَّه سيكون أول الداعين إلى الله وأول المؤذنين فوق بيته الحرام، ويقضي مع رسول الله صلى الله عليه وآله على مظاهر الشرك والكفر.

 

وختاما: نسأل الله العلي القدير أن يجعلنا مع صاحب هذه الولادية ويثبتنا على ولايته، ويحشرنا معه في الدنيا والآخرة.

 

الهوامش:

[1] ينظر: مناقب آل أبي طالب: 3/ 59.

[2] الأمالي، الصدوق: 194- 195.

[3] سورة المائدة: 3.

[4] ينظر: بحار الأنوار: 93/ 370.

[5] الأمالي للطوسي: 707- 708.

المقالة السابقة المقالة التالية

Execution Time: 0.3941 Seconds