العباس ابن علي وارث الكرامة والاباء

مقالات وبحوث

العباس ابن علي وارث الكرامة والاباء

4K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 10-04-2019

العباس ابن علي وارث الكرامة والاباء

 

الباحث: محمد حمزة الخفاجي

 

ورث العباس بن علي (عليهما السلام) جميع الفضائل والمكارم الحسنة من أهل البيت الطيبين، وقد اكتسب من أبناء الزهراء (عليهم السلام) الكثير الكثير من  الصفات النبيلة حتى شهد له العدو قبل المحب، ومن المواقف التي برهنت على وفاء العباس وعظيم منزلته، حينما عرض عليه ابن زياد الأمان،  فأبى العباس ان يكون في صفوف الظالمين، ففي رواية (أقبل شمر بن ذي الجوشن حتى وقف على معسكر، الحسين رضي الله عنه فنادى بأعلى صوته: أين بنو أختنا، عبد الله وجعفر والعباس بنو علي بن أبي طالب! فقال الحسين لإخوته: أجيبوه وإن كان فاسقا فإنه من أخوالكم! فنادوه، فقالوا: ما شأنك وما تريد؟ فقال: يا بني أختي! أنتم آمنون فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين، والزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد بن معاوية! فقال له العباس بن علي رضي الله عنه: تبا لك يا شمر ولعنك الله ولعن ما جئت به من أمانك هذا يا عدو الله! أتأمرنا أن ندخل في طاعة العناد ونترك نصرة أخينا الحسين رضي الله عنه، قال: فرجع الشمر إلى معسكره مغتاظا)[1].

فالعباس بن علي (عليهما السلام) غيورا يأبى العار وأي عار أكثر من ترك ابن فاطمة واللحاق بابن اكلة الأكباد، فليس من فعال الدين أن يترك العبد مولاه، وليس من فعال الدين أن لا يواسي الأخ أخاه، هذا ما عبر به المولى ابي الفضل في ابياته حينما ملك الشريعة فأبت نفسه الشريفة أن تشرب الماء والحسين يتلظى عطشا فقال (عليه السلام):

يا نفس من بعد الحسين هوني… وبعده لا كنت أن تكوني

هذا الحسين وارد المنون… وتشربين بارد المعين

تالله ما هذا فعال ديني  … ولا فعال صادق اليقين[2].

فلا يقاس العباس الا بذوي النفوس المطمئنة وأهل البصائر لأن المواقف التي ثبت فيها لا يحتملها الا المعصومون.

فتلك الحقبة التي قضاها مع ابناء الزهراء اكسبته صفاتهم لذا صار العباس القائد الأول لجيش الإمام الحسين (عليه السلام) لما يمتلك من وفاء وإباء وشجاعة وغيرة ومروءة.

 يروى في المناقب (نادى عبد الله بن عمر للحسن بن علي (عليه السلام) في أيام صفين وقال: ان لي نصحة، فلما برز إليه قال: ان أباك بغضة لعنة وقد خاض في دم عثمان فهل لك ان تخلعه نبايعك ، فأسمعه الحسن ما كرهه ، فقال معاوية : انه ابن أبيه)[3].

وكان للحسين عليه السلام موقفاً كهذا ففي رواية: (أرسل عبد الله بن عمر بن الخطاب إلى الحسين بن علي (عليهما السلام) في صفين إن لي إليك حاجة فالقني إذا شئت حتى أخبرك، فخرج إليه الحسين (عليه السلام) حتى واقفه وظن أنه يريد حربه، فقال له ابن عمر: إني لم أدعك إلى الحرب ولكن اسمع مني فإنها نصيحة لك، فقال الحسين (عليه السلام): " قل ما تشاء " فقال: إعلم أن أباك قد وتر قريشا وقد أبغضه الناس، وذكروا أنه هو الذي قتل عثمان، فهل لك أن تخلعه وتخالف عليه حتى نوليك هذا الأمر؟ فقال الحسين (عليه السلام): " كلا والله لا أكفر بالله وبرسوله وبوصي رسول الله، إخس ويلك من شيطان مارد ! فلقد زين لك الشيطان سوء عملك فخدعك حتى أخرجك من دينك باتباع القاسطين ونصرة هذا المارق من الدين، لم يزل هو وأبوه حربيين وعدوين لله ولرسوله وللمؤمنين، فوالله ما أسلما ولكنهما استسلما خوفا وطمعا! فأنت اليوم تقاتل عن غير متذمم، ثم تخرج إلى الحرب متخلفا لتراءي بذلك أهل الشام ارتع قليلا فإني أرجو أن يقتلك الله (عز وجل) سريعا ).

قال: فضحك عبد الله بن عمر، ثم رجع إلى معاوية فقال: إني أردت خديعة الحسين وقلت له كذا وكذا، فلم أطمع في خديعته، فقال معاوية: إن الحسين ابن لا يخدع وهو ابن أبيه)[4].

لذا لا نستغرب حينما يكون العباس بذلك الوفاء وقد تربى بين أوفياء عظماء كرام لا يرتضون الغدر ولا يقبلون بالذل.

وفي الختام نسأل الله أن يحشرنا سبحانه في زمرة الطيبين الميامين.

 

الهوامش:

[1] -  الفتوح، أحمد بن أعثم الكوفي، ج5، ص94.

[2] - ينابيع المودة، القندوزي: 3  / 67.

[3] - مناقب ابن شهراشوب: 3 / 199.

[4] - الفتوح، أحمد بن أعثم الكوفي: 3 / 39 – 40.

المقالة السابقة المقالة التالية

Execution Time: 0.2547 Seconds