اليوم الذي جُنَّ فيه إبليس

مقالات وبحوث

اليوم الذي جُنَّ فيه إبليس

6K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 15-08-2019

علي فاضل الخزاعي
الحمد لله ولي الحمد ومستحقه، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين من عترته والمنتجبين من نجله وأرومته الأئمة الهداة وسلم تسليما كثيرا.
ففي يوم الثامن عشر من ذي الحجة، حدث أمر عظيم من الله (عز وجل) بتبليغ النبي (صلى الله عليه وآله) أن ينصب فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) إماما للأنام،  فحينما كان النبي (صلى اللَّه عليه وآله وسلم) راجعا من حجة الوداع وصل إلى موضع يقال له (غدير خم) فنزل عليه قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ}[1]، فجمع الرسول صحابته الذين كانوا معه - وكان عددهم مائة وعشرين ألف أو ثمانين ألفا - فأخذ بيد علي عليه السلام ورفعه وخطب خطبة طويلة وقال في جملة ما قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله )[2].
تقول الروايات حينما سبع ابليس اللعين بهذا الخبر جُنَّ جنونه وبقي يصرخ؛ حيث كان ظنه أن فعل النبي (صلى اللَّه عليه وآله وسلم) لهكذا عمل بتنصيب الإمام (عليه السلام) إماما للخلق دليل على عدم عصيان الله عز وجل ابداً، حيث تقول الرواية الواردة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال : لما أخذ رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بيد علي (عليه السّلام) يوم الغدير صرخ إبليس في جنوده صرخة فلم يبق منهم أحد في بر ولا بحر إلا أتاه فقالوا يا سيدهم ومولاهم[3] ما ذا دهاك؟ فما سمعنا لك صرخة أوحش من صرختك هذه، فقال لهم: فعل هذا النبي فعلا إن تم لم يعص اللَّه أبدا؛ فقالوا يا سيدهم أنت كنت لآدم فلما قال المنافقون إنه ينطق عن الهوى؛ وقال أحدهما لصاحبه أما ترى عينيه تدوران في رأسه كأنه مجنون - يعنون رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)- صرخ إبليس صرخة يطرب فجمع أولياءه ثم قال: أما علمتم أني كنت لآدم من قبل قالوا نعم قال آدم نقض العهد ولم يكفر بالرب وهؤلاء نقضوا العهد وكفروا بالرسول فلما قبض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأقام الناس غير علي عليه السّلام لبس إبليس تاج الملك ونصب منبرا وقعد في ألويته وجمع خيله ورجله ثم قال لهم أطربوا لا يطاع اللَّه حتى يقوم إمام وتلا أبو جعفر (عليه السّلام): «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»[4]؛ فقال أبو جعفر (عليه السّلام) كان تأويل هذه الآية لما قبض رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والظن من إبليس حين قالوا لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إنه ينطق عن الهوى فظن بهم إبليس ظنا فصدقوا ظنه»[5].
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما أمر الله نبيه أن ينصب أمير المؤمنين للناس في قوله: ((يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)) في عليّ بغدير خم فقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه)؛ فجاءت الأبالسة إلى إبليس الأكبر وحثوا التراب على وجوههم فقال لهم إبليس: ما لكم؟ قالوا: إن هذا الرجل قد عقد اليوم عقدة لا يحلها شيء إلى يوم القيامة فقال لهم إبليس: كلا إن الذين حوله قد وعدوني فيه عدة لن يخلفوني فأنزل الله على رسوله: (ولَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ)[6].
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما أخذ بيد عليّ (عليه السلام) بغدير خم فقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه) كان إبليس حاضرا بعفاريته، فقال له حيث قال: من كنت مولاه فعلي مولاه والله ما هكذا قلت لنا، قد أخبرتنا أن هذا إذا مضى افترق أصحابه وهذا أمر مستقر كلما أراد أن يذهب واحد بدر آخر فقال: افترقوا فإن أصحابه قد وعدوني أن لا يقروا له بشيء مما قال. وهو قول عز وجل: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)[7].
فكل ما تم ذكره من روايات تبين الحقد الذي كان في جوف ابليس من الغضب وليس فقط ابليس وإنما في بعض من كان حاضرا في واقعة غدير خم؛ حيث كانوا على يقين بأن الولاية التكوينية للإمامة والخلافة هي لعلي (عليه السلام) فقط؛ لكن لم يستجيبوا لقول النبي (صلى الله عليه وآله) قبل وفاته حينما أمرهم بالتمسك بكتاب الله وعترته أهل بيته (عليهم السلام) لئلا يقعوا في المهالك وأخذوا الخلافة من أمير المؤمنين (عليه السلام)، إذ تركوا أمير المؤمنين وحده مع ثلة قليلة من الصحابة في تغسيل النبي (صلى الله عليه وآله) ودفنه وبقوا هم يتقاسمون الخلافة فيما بينهم وإبليس متوج بتاج الزعامة الباطلة مع جيوشه يفرحون ويمرحون.
الهوامش:
[1] - المائدة: الآية 67.
[2] - ينظر: جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى، هامش ص42.
[3] - أي قالوا يا سيدنا ومولانا وانما غيره لئلا يوهم انصرافه اليه (عليه السلام). وهذا شايع في كلام البلغاء في نقل امر لا يرضى القائل لنفسه، كما في قوله تعالى: (ان لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين) وقوله (ماذا دهاك) يقال: دهاه إذا أصابته داهنة، قاله المجلسي (ره) في مرآة العقول.
[4] - سورة سبأ: الآية 20.
[5] - الوافي، الفيض الكاشاني: 2/ 184؛ الكافي، الكليني: 8/345.
[6] - تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب، الشيخ محمد بن محمد رضا القمي المشهدي، 10/ 498.
[7] - غاية المرام وحجة الخصام، السيد هاشم البحراني: 310

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3028 Seconds