الفقر ومرارته في منظور أمير المؤمنين (عليه السلام)

مقالات وبحوث

الفقر ومرارته في منظور أمير المؤمنين (عليه السلام)

6K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 14-08-2019

علي فاضل الخزاعي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله) وعلى آله الطيبين الاطهار.
أما بعد..
فالفقر ومرارته من أشد المواقف التي يمر بها الانسان، لما فيه من تأثير كبير عليه، فالفقر ليس عاراً أبداً كما أنه ليس قدراً محتوماً على الانسان، ولذا ينبغي على المرء أن يكون متفائلاً في حياته، يتطلع إلى المستقبل بكل منطلق بغض النظر عن الشدائد التي تمر عليه في حياته نتيجة الفقر، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين، وأهل البؤسى والزمنى فإن في هذه الطبقة قانعا ومعترا)[1].
يفهم من كلامه (عليه السلام) أنه يجب على الناس الذين أنعم الله عليهم من وافر نعمته أن ينظروا إلى الطبقات الضعيفة في المجتمع من المساكين والمحتاجين والبؤساء الذين يعانون من الفقر الشديد وأصحاب العاهات والسائلين والمتعرض لأخذ العطاء دون سؤال وطلب، ومساعدتهم والاهتمام بهم، لأن مثل هؤلاء الناس لا حيلة لهم على صراع الدنيا والعمل لسد رمق جوعهم.
وقد ذكر الكتاب الكريم اصناف الفقراء، عبر وصفه لعناوين المستحقين، قال تعالى: {إنَّما الصَدَقاتُ لِلفُقَراءِ والمَساكينِ والعامِلينَ عليها والمؤلَّفَةِ قُلُوبُهُم وفي الرقابِ والغارِمينَ وفي سَبيلِ اللهِ وابنِ السَبيلِ فَريضَةٌ مِنَ اللهِ واللهُ عَليمٌ حَكيمٌ}[2].
فالله سبحانه وتعالى يبتلي بعض الناس بالفقر, ليختبرهم هل يكفروا أم يصبروا على فقرهم , فعن رسول الله (صلى الله عليه واله): (خلقتك وابتليتك بنار نمرود فلو ابتليتك بالفقر ورفعت عنك الصبر فما تصنع ؟ قال إبراهيم : يا رب ، الفقر إِلي أشد من نار نمرود ، قال الله تعالى : فبعزتي وجلالي ، ما خلقت في السماء والأرض أشد من الفقر ، قال : يا رب من أطعم جائعاً فما جزاؤه ؟ قال : جزاؤه الغفران لأن كانت ذنوبه تملأ ما بين السماء والأرض ، ولولا رحمة ربي على فقراء أمتي كاد الفقر يكون كفرا))[3].
ولشدة الفقر دعا زين العابدين وسيد السّاجدين سلام اللّه عليه وعلى آبائه الطاهرين أن يصرفه اللّه عنه ولا يبتليه به حيث قال: ((اللهمّ لا طاقة لي بالجهد، ولا صبر لي على البلاء، ولا قوّة لي على الفقر، فلا تخطر عليّ رزقي، ولا تكلني إلى خلقك، بل تفرّد بحاجتي، وتولّ كفايتي، وانظر اليّ، وانظر لي في جميع أٌموري، فإنّك إن وكلتني إلى نفسى عجزت عنها، ولم أقم ما فيه مصلحتها، وإن وكلتني إلى خلقك تجهموا لي، وإن الجأتني إلى قرابتي حرموني، وإن أعطوني اعطوني قليلا نكدا، ومنّوا عليّ طويلا، وذمّوا كثيرا، فبفضلك اللهمّ فأغنني، وبعظمتك فانعشني، وبسعتك فابسط يدي، وبما عندك فاكفني))[4].
 وكانت رعاية الفقراء والبّر بهم والإحسان إليهم جزء من رسالة الإسلام التي أكد عليها أمير المؤمنين (عليه السلام) بمحو الفقر وإزالة شبحه، ونشر السعة والرخاء بين المسلمين.
 فقد شاركهم (عليه السلام) في جشوبة العيش وخشونة الملبس، فهو أبو الفقراء واليتامى، فاختيار الانسان للعيش في حالة من الفقر بمحض ارادته مواساةً للفقراء، وكان ذلك من صفات الانبياء والاولياء (عليهم السلام)، وهو فقرٌ نابعٌ عن إنفاق الانسان ما بحوزته على المعوزين والمحتاجين، وعدم الاهتمام بماديات الحياة الدنيوية.
 فعن أبي جعفر(عليه السلام) أنه قال : (والله إن علياً (عليه السلام) كان ليأكل أكل العبد، ويجلس جلسة العبد، وإن كان ليشتري القميصين السنبلانيين فيخير غلامه خيرهما، ثم يلبس الآخر، فاذا جاز أصابعه قطعه، واذا جاز كعبه حذفه، ولقد ولي خمس سنين ما وضع آجرة على آجرة ولا لبنة على لبنة، ولا أقطع قطيعا ولا أورث بيضاء ولا حمراء، وإن كان ليطعم الناس خبز البر واللحم وينصرف إلى منزله ويأكل خبز الشعير والزيت والخل ، وما ورد عليه أمران كلاهما لله رضي إلا أخذ بأشدهما على بدنه، ولقد أعتق ألف مملوك من كد يده وتربت فيه يداه وعرق فيه وجهه، وما أطاق عمله أحد من الناس)[5].
كما يعد الفقر بالرغم من شدته كرامة من كرائم الله على عباده، عن النبي صلى الله عليه وآله: ((ما الفقر؟ فقال: خزانة من خزائن الله قيل - ثانيا – يا رسول الله ما الفقر؟ فقال: كرامة من الله، قيل: ثالثا: ما الفقر؟ فقال عليه السلام: شيء لا يعطيه الله إلا نبيا مرسلا أو مؤمنا كريما على الله تعالى))[6].
وعن الامام الصادق (عليه السلام) ((أنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه مرض، فعاده إخوانه. فقالوا: كيف نجدك يا أمير المؤمنين؟ قال: بشرّ. قالوا: ما هذا كلام مثلك! فقال: إنّ الله يقول: (ونبلوكم بالشرّ والخير فتنة) فالخير الصحّة والغنى، والشرّ المرض والفقر))[7].
وهذا هو مفهوم شدة الفقر ومرارته الذي تحدث عنه أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو جزء من رسالة أكد عليها أمير المؤمنين (عليه السلام) بمحو الفقر وإزالة شبحه، ونشر السعة والرخاء بين المسلمين.
والحمد لله رب العالمين..
الهوامش:
[1]  نهج البلاغة، محمد عبده، ج3, ص470.
[2] سورة التوبة: الآية 60.
[3]  جامع الأخبار، الشيخ محمد بن محمد السبزواري، ج14,ص300.
[4]  منهاج البراعة، الخوئي، ص339.
[5] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج16,ص278.
[6] بحار الأنوار، ج69,ص 47.
[7]  مستدرك سفينة البحار، العلامة آية الله الشيخ علي النمازي, ج5,ص385.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2409 Seconds