واقعة الحرّة بين أمن السَّجَّاد (عليه السَّلَام) وإرهاب يزيد بن معاوية

مقالات وبحوث

واقعة الحرّة بين أمن السَّجَّاد (عليه السَّلَام) وإرهاب يزيد بن معاوية

8K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 29-08-2019

الباحث: سلام مكي الطائي

الحمدُ لله ربّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أبي القاسم مُحَمَّد وآله الغرّ الميامين المنتجبين، الطَّيِّبين الطَّاهرين، واللّعن الدَّائِم علَى أعدائِهم إلى قيامِ يوم الدِّين...

بعد فاجعة كربلاء الأليمة وشهادة الإمام الحُسَين (عليه الصَّلَاة والسَّلَام) وأهل بيته وأنصاره وسبي عياله (عليهم الصَّلَاة والسَّلَام)، التي قامت بها الفئة الضَّالة المضلة المتمثّلة بيزيد وأعوانه من الأمويين وغيرهم –لعنهم الله أجمعين دنيا وآخرة-  قاموا بفاجعة أخرى تُعد من أفجع الحوادث التَّاريخية، التي سوّدت تاريخ يزيد وبني أميّة بعد فاجعة كربلاء، وهي فاجعة (واقعة الحرَّة).

 وهي واحدة من الجرائم والموبقات التي لا تغتفر التي قام بفعلها يزيد وجنوده الضالّين، فافتتح دولته –لعنه الله تعالى- بمقتل الشَّهيد الإمام الحُسَين بن عَلِيّ بن أبي طالب (عليهما السَّلَام)، سبط رسول الله مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله)، واختتمها بواقعة الحرَّة.

فسعيد بن المُسَّيب يسمي سني يزيد بن معاوية (لعنه الله) بالشؤم، ففي السَّنة الأولى قتل الإمام الحُسَين بن الإمام عَلِيّ (عليهما السَّلَام) وأهل بيت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) والثانية أستبيح حرم رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وانتهكت حرمة المدينة الثالثة سفكت الدماء في حرم الله تعالى وحرقت الكعبة المشرَّفة[1].

فواقعة الحرَّة هي التي: قام جنود يزيد –لعنهم الله تعالى- بأمرته بالهجوم على مدينة الرَّسول الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) ومهبط الوحي ومصدر التَّبليغ الإسلامي، وفيها صحابته (صلَّى الله عليه وآله) من المهاجرين والأنصار والتَّابعين لهم بإحسان وأهل بيته (صلَّى الله عليه وآله)، فأغاروا عليهم واستباحوها وقتلوا الآلاف من أهلها المسلمين، وقد أفرط يزيد في سفك الدماء وشرب المسكرات والفسق والفجور فأباح –لعنه الله- المدينة لجنده ثلاثة أيّام، ولم يكتفِ يزيد وجنوده الهمج الرّعاع بالقتل، بل تعدَّى ذلك إلى هتك أعراض النّساء، حتّى رُوي أنّها ولدت ألف امرأة في واقعة الحرَّة من غير أزواج، وقام –لعنه الله- وجنوده بالهجوم على بيت الله تعالى مكّة المكرَّمة بالمجانيق والعرادات وهدموا البيت الشَّريف وأحرقوه[2].

فنلاحظ مدى الوحشيَّة والهمجيَّة التي يحملها يزيد وجنوده الرّعاع –لعنهم الله-، ولكن لا نستغرب أن تصدر هكذا أفعال من شخصٍ ناصبي، فظ، غليظ، جلف، يتناول المسكر ويفعل المنكر[3]، فروي- في فجره وفسقه وخروجه عن مسار الأُمَّة الإسلاميَّة- عن النّبيّ (صلَّى الله عليه وآله): (أَوَّل من يبدّل سنّتي رجل من بني أُميَّة يقال له يزيد)[4]، فقام أعوانه –لعنهم الله تعالى- بانتهاكك حرمة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، بقتل ابن بنته (عليهما الصَّلَاة والسَّلَام)، وأهل بيته وأنصاره (عليهم الصَّلَاة والسَّلَام) وأسَّرَ وسبي ما نجا منهم في يوم الطَّف.

أسباب واقعة الحرَّة:

 يعلم الجميع من هو يزيد بن معاوية –لعنهما الله تعالى-؟ وما فعل في مدة حكمه بذريَّة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وماهي صفاته؟ فكان يتناول الخمر ويفعل الموبقات ويهتك الأعراض وينكح أمّهات الأولاد والبنات والأخوات، يترك الصَّلَاة، فمن كان يفعل هذه جميعها، فما الذي نتوقعه منه؟ هل يفعل فعل الخير وينشره أم يفعل الشَّر والظّلم والفساد والفجور؟ فهذا هو أحد الاسباب لواقعة الحرَّة، بالإضافة إلى ذلك أنّ الأنصار كانوا العمود الفقري للقوات الاسلامية المسلحة وقد أنزلوا الضربات القاصمة بالقرشيين فأبادوا اعلامهم وأشاعوا في بيوتهم الحزن والحداد في سبيل الاسلام، وقد علموا أنَّ الأمر إذا استتب للقرشيين، فإنّهم سيمعنون في قهرهم واذلالهم طلبًا بثأرهم، وتحقق هذا عندما آل الحكم إلى الأمويين، فسعوا جاهدين في إذلال الأنصار وقهرهم وإشاعة الفقر والحاجة فيهم، وقد بالغ معاوية  -لعنه الله- في الانتقام منهم، ولما ولي الأمر من بعده يزيد جهد على الوقيعة بهم، وهذا عندما أصبح يتعدى حدود الله تعالى فخلعوه أهل المدينة، فأقام ابن الزبير على خلع يزيد ووالاه على ذلك أكثر الناس، فدخل عليه عبد الله بن مطيع وعبد الله بن حنظلة وأهل المدينة المسجد وأتوا المنبر فخلعوا يزيد فقال عبد الله بن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي: خلعت يزيد كما خلعت عمامتي، ونزعها عن رأسه، وقال: ... عدو الله سكير خمير، وقال آخر: خلعته كما خلعت نعلي، وقال آخر: خلعته كما خلعت ثوبي، وقال آخر: قد خلعته كما خلعت خفي، حتّى ... أظهروا البراءة منه وأجمعوا على ذلك[5]، فاجتمعوا على عبد الله بن حنظلة وبايعهم على الموت، فقال: يا قوم، اتقوا الله فوالله ما خرجنا على يزيد حتَّى خفنا أن نرمي بالحجارة من السَّماء...[6]، وذلك لما يقوم به من الفسق والفجور واستباحة الحرمات والاعتداء على النَّاس وأعراضهم.

 فأخذ يزيد –لعنه الله تعالى- أمر الخلع ذريعة لينال من الأنصار والموالين للعترة الطَّاهرة (عليهم السَّلَام)، وليظهر لنا حقده الدَّفين عليهم فأباح أموالهم ودماءهم وأعراضهم بجيوشه في تلك الواقعة، التي لم يشهد التاريخ لها نظيرًا في فظاعتها وقسوتها[7]، فنستطيع أن نعدّه سبب من الأسباب الخفيَّة التي لا ينتبه إليها إلَّا من كان عارفًا بجرم يزيد –لعنه الله- وظلمه وفسقه وتعديه حدود الله تعالى. 

جند يزيد (لعنهم الله) في طلب قتل الإمام السَّجَّاد (عليه السَّلام):

بعدما حدث ما حدث في واقعة الحرَّة، من هتك أعراض وسفك دماء وقتل وسلب ونهب وغيرها من الجرائم الإرهابية الخسيسة الدَّنيئة التي قام بها جند اللعين يزيد بن معاوية بأمرٍ منه، وأغار الجيش على المدينة وأباحها ثلاثًا، وجه بردعة الحمار صاحب يزيد بن معاوية (لعنهم الله) في طلب عَلِيّ بن الحُسَين (عليهما السَّلَام) ليقتله، أو يسمّه، فوجدوه في منزله، فلمَّا دخلوا ركب الإمام عَلِيّ السَّجَّاد بن الإمام الحُسَين الشَّهيد (عليهما الصَّلَاة والسَّلَام) السّحاب بمشيئة الله تعالى، وجاء حتّى وقف فوق رأس يزيد اللّعين السّفَّاح الفاسق، وقال له (عليه السَّلَام): ((أيما أحب إليك: تكف، أو آمر الأرض أن تبلعك؟)) قال: يزيد (لعنه الله تعالى): ما أردت إلا إكرامك والإحسان إليك، ثم نزل الإمام السَّجَّاد (عليه السَّلَام) عن السَّحاب، فجلس بين يديه، فقرّب إليه أقداحًا فيها ماء ولبن وعسل، فاختار الإمام عَلِيّ السَّجَّاد بن الإمام الحُسَين الشَّهِيد (عليهما الصَّلَاة والسَّلَام) لبنًا وعسلًا، ثم غاب من بين يديه حيث لا يعلم يزيد[8]–لعنه الله تعالى-.

العوائل الأموية في أمنِ وحماية الإمام السَّجَّاد (عليه السَّلَام):

عندما استبيحت مدينة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، لجأت العديد من عوائلها جراء وقعة الحرَّة المشؤومة، إلى حرم عترة رسول الإنسانيَّة (صلَّى الله عليه وآله) الإمام عَلِي السَّجَّاد بن الإمام الحُسَين الشَّهيد (عليهما الصَّلَاة والسَّلَام)، خوفًا من بطش جنود يزيد، لا سيما عوائل بعض الأمويين مثل مروان بن الحكم، الذي التجأ بأهله وزوجته وهي عائشة ابنة عثمان بن عفان إلى بيت الإمام زين العابدين (عليه السَّلَام)، فأصبحوا تحت حمايته، مع أربعمائة عائلة من بني عبد مناف، مدة وجود الجيش الأموي في المدينة، فأمنوا من استباحتهم لها وهتكهم الأعراض فيها، في واقعة الحرَّة الرَّهيبة والفاجعة الأليمة[9].

وفي الختام: أن الحمدُ لله ربّ العالمين، وصلَّى الله على نبيّه الأمين وآله الغرّ الميامين، والطَّيِّبين الطَّاهرين، ولعن الله تعالى أعدائِهم أجمعين، إلى قيام يوم الدِّين...
الهوامش:
[1] يُنظر: دفاع من وحي الشريعة ضمن دائرة السنة والشيعة، السَّيِّد حُسَين الرّجا: 308.
[2] ينظر: محو السُّنَّة أو تدوينها، حُسَين غيب غلامي: 176، ودراسات في ولاية الفقيه وفقه الدَّولة الإسلامية، الشَّيخ المنتظري: 1/583.
[3] محو السُّنَّة أو تدوينها: 177.
[4] تأريخ مدينة  دمشق، ابن عساكر: 65/250.
[5] يُنظر: معالم المدرستين، السَّيِّد مُرتضى العسكري: 3/182-183.
[6] يُنظر: معالم المدرستين، السَّيِّد مُرتضى العسكري: 3/182-183.
[7] ينظر: حياة الإمام الحُسَين (عليه الصَّلَاة والسَّلَام)، الشَّيخ باقر شريف القرشي: 1/236.
[8] دلائل الإمامة، مُحمَّد بن جرير الطَّبري (الشِّيعي): 198-199.
[9] يُنظر: جهاد السَّجَّاد (عليه السَّلَام)، السَّيِّد مُحمَّد رضا الجلالي: 185.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2251 Seconds