عمَّار حسن الخزاعي:
الحمد لله ربِّ العالمين حمدًا كثيرًا كما يستحقُّه وكما هو أهله، والصلاة والسلام على خير خلقه محمَّد وآله الطاهرين...
علي الأكبر، ابن الحسين بن علي بن أبي طالب، بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، ويكفيه فخرًا أنَّه ابن سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وابن صنويه وأخيه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، هذا من جهة الأب، أمَّا من جهة الأم، فأُمّه السيدة ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي، وأمها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية وتكنى أم شيبة، وأمها بنت أبي العاص بن أمية([1])، وعروة جدُّ عليٍّ الأكبر لأمِّه أحد زعماء العرب، أسلم على يدِ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثمَّ ذهب إلى قومه داعيًا لهم فقتلوه شهيدًا بسبب عقيدته، ولمَّا سمع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) به قال: ((مَثَلُ عروة في قومه مَثَلُ صاحب ياسين دعا قومه إلى الله فقتلوه))([2])، وعروة بن مسعود يكون عم المختار بن أبي عبيدة الثقفي، ولذلك تكون ليلى أم عليٍّ الأكبر بنت عمِّ المختار . فأجداد عليٍّ الأكبر كانوا على ثلاثة أفرع بني هاشم من جهة الآباء، وبني أميَّة وبني ثقيف من جهة الأُمهات، وقد قيل إنَّ معاوية بن أبي سفيان قال مرَّةً: ((من أحق الناس بهذا الأمر؟ قالوا: أنت، قال: لا، أولى الناس بهذا الأمر علي بن الحسين بن علي، جدُّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفيه شجاعة بني هاشم، وسخاء بني أمية، وزهو ثقيف))([3]) .
شبَّ عليٌّ الأكبر على المكارم وسموِّ الأخلاق، وقد ذاع صيته بالكرم والجود منذ الصغر، فقد قال فيه الشاعر([4]):
لم ترَ عيــنٌ نظرت مثــــــــــــلَهُ *** من محتفٍ يمشــي ومن ناعلِ
يغلي بنيّ اللحــــــــــــمِ حتّى إذا *** أنضجَ لم يغــــــــلُ على الآكلِ
كان إذا شبّت له نــــــــــــــــارُهُ *** أوقدها بالشرف القـــــــــــــابلِ
كيما يراها بـــــــــــــائسٌ مرملٌ *** أو فردُ حيٍّ ليــــــــــس بالآهلِ
أعني ابنَ ليلى ذا السّدى والندى *** أعني ابنَ بنت الحسب الفاضلِ
لا يؤثرُ الدنيــــــــــــا على دينِهِ *** ولا يبيـــــــــــــع الحقَّ بالباطلِ
يذكر التاريخ أنَّ عليَّ الأكبر (عليه السلام) كان يوقد النار على مرتفع ليراها ابن السبيل والمنقطع به فيتبع تلك النار، وهناك يلتقيه عليٌّ الأكبر (عليه السلام) بكرم الضيافة، ثمَّ يسمو عالياً يرتقي بالعقيدة وسمو الإيمان، إلى أن تحين كربلاء فيرافق والده، وفي الطريق تأخذ الحسين (عليه السلام) ((خفقة ثم انتبه، وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله رب العالمين، ففعل ذلك مرتين أو ثلاثًا، فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين (عليهما السلام) على فرس فقال: ممَّ حمدت الله واسترجعت ؟ فقال: يا بني، إنِّي خفقت خفقة فعنَّ لي فارس على فرس وهو يقول: القوم يسيرون، والمنايا تسير إليهم، فعلمت أنَّها أنفسنا نعيت إلينا فقال له: يا أبت لا أراك الله سوءًا، ألسنا على الحق ؟ قال: بلى، والذي إليه مرجع العباد، قال: فإنَّنا إذًا لا نبالي أن نموت محقين، فقال له الحسين (عليه السلام): جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدًا عن والده))([5]) .
وهذه الكلمات من عليٍّ الأكبر (عليه السلام) تكشف عن سمو العقيدة وعمق الإيمان الذي كان يتحلَّى به، ثمَّ يأتي يوم كربلاء فيتصدَّى للبراز متصدِّرًا قائمة الشهداء من بني هاشم، ولمَّا توسَّط الميدان قال مرتجزًا([6]):
أنا علـــــي بن الحسين بن علي نحن وربّ البيت أولـــــــى بالنبي
تالله لا يحكم فينا ابن الدعي أضرب بالسيف أحامي عن أبي
ضرب غلام هاشمي قرشي
ولمَّا رأى الإمام الحسين (عليه السلام) ولده يصول على الأعداء صاح عليهم: ))اللهم اشهد على هؤلاء فقد برز إليهم أشبه النّاس برسولك محمّدٍ خَلقاً وخُلقاً ومنطقًا))([7])، ((وكنَّا إذا اشتقنا إلي رُؤيةِ نَبيك نَظرنا اِليه))([8])، ثمَّ التفت الإمام الحسين (عليه السلام) إلى عمر بن سعد فقال له: ((يا بن سعد، قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ولم تحفظني في رسول الله، وسلَّط عليك من يذبحك على فراشك))([9])، ثمَّ التفت إليهم جميعًا فقال: ((اللّهم امنعهم بركات الأرض، وفرقهم تفريقًا، ومزقهم تمزيقًا، واجعلهم طرائق قددًا، ولا ترض الولاة عنهم أبدًا، فإنَّهم دعونا لينصرونا ثمَّ عدوا علينا يقاتلوننا))([10]) .
وهكذا يستعرُّ قلب الحسين (عليه السلام) حسرةً على ولده الأكبر، فتتساقط دموعه ومعها يتفطَّر كبده حزنًا على شبيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو يتوزَّع أشلاءً على أسنَّة الرماح وسيوف الأعداء، ولم يدركه إلَّا وهو مقطَّعٌ إربًا إربًا، مرتقيةً روحه إلى السماء عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيسقيه من كأسه الأوفى شربة ماء لا ظمأ بعدها أبدًا .
الهوامش:
([1]) مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الأصبهاني: 86 .
([2]) الطبقات الكبرى: 1/313 .
([3]) مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الأصبهاني: 86 .
([4]) م . ن: 86 – 87 .
([5]) الإرشاد، الشيخ المفيد: 2/82 .
([6]) مقتل الحسين، المقرم: 321 ، الإرشاد، المفيد: 2/ 106.
([7]) مثير الأحزان، ابن نما الحلي: 68.
([8]) اللهوف، ابن طاووس:139.
([9]) مقتل الحسين، الخوارزمي: 2/35 .
([10]) م . ن .