الباحث: علي عباس فاضل
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه رسولنا الكريم وآله بيته الطيبين الطاهرين، وبعد
الولاية التكوينية أمر ثابت للرسول والأئمة الأطهار (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، ولهذا فقضية رد الشمس أمر طبيعي حدث على زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفي زمن أمير المؤمنين (عليه السلام) عند رجوعه من معركة النهروان.
وهذه الكرامة خصَّ الله بها أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول الإمام علي(عليه السلام): ((إنّ الله تبارك وتعالى ردّ عليّ الشمس مرّتين، ولم يردّها على أحد من أُمّة محمّد(صلى الله عليه وآله) غيري))([1]).
كانت المرة الأولى على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذ روي عن أسماء بنت عميس وأم سلمة زوج النبي(صلى الله عليه وآله)، وجابر بن عبد الله الأنصاري وأبي سعيد الخدري في جماعة من الصحابة: ((أن النبي (صلى الله عليه وآله)، كان ذات يوم في منزله وعلي(عليه السلام) بين يديه إذ جاءه جبريل (عليه السلام) يناجيه عن الله سبحانه فلما تغشاه الوحي توسد فخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) فلم يرفع رأسه عنه حتى غابت الشمس فاضطر أمير المؤمنين (عليه السلام) لذلك أن يصلي صلاة العصر جالساً يومئ بركوعه وسجوده إيماءً فلما أفاق من غشيته قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): أفاتتك صلاة العصر؟ قال له: لم أستطع أن أصليها قائماً لمكانك يا رسول الله والحال التي كنت عليها في استماع الوحي، فقال له: ادع الله حتى يردد عليك الشمس لتصليها قائماً في وقتها كما فاتتك فإن الله تعالى يجيبك لطاعتك الله ورسوله، فسأل أمير المؤمنين (عليه السلام) الله في رد الشمس فردت…))([2])، فمن أطاع الله ورسوله أطاعه كل شيء بأمر الله، فكانت الشمس مطيعة لأمير المؤمنين (عليه السلام) ودت إلى مكانها إلى أن اتم صلاته.
وبقت الشمس في طاعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، إذ ردها مرة أخرى بعد النهروان، قال جويرية بن مسهر: ((أقبلنا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) من قتل الخوارج، حتّى إذا قطعنا في أرض بابل حضرت صلاة العصر، فنزل أمير المؤمنين (عليه السلام) ونزل الناس، فقال علي (عليه السلام): أيّها الناس، إنّ هذه أرض ملعونة قد عُذّبت في الدهر ثلاث مرّات، وهي إحدى المؤتفكات، وهي أوّل أرض عُبد فيها وثن، إنّه لا يحلّ لنبيّ ولا لوصيّ نبيّ أن يُصلّي فيها، فمَن أراد منكم أن يُصلّي فليصلّ، فمال الناس عن جنبي الطريق يُصلّون، وركب هو (عليه السلام) بغلة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ومضى.
قال جويرية: فقلت والله لأتبعنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ولأقلدنّه صلاتي اليوم، فمضيت خلفه، فوالله ما جزنا جسر سوراء حتّى غابت الشمس، فشككت، فالتفت إليّ وقال: يا جويرية أشككت! فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، فنزل (عليه السلام) عن ناحية فتوضّأ ثمّ قام، فنطق بكلام لا أُحسنه إلّا كأنّه بالعبراني، ثمّ نادى: الصلاة، فنظرت والله إلى الشمس قد خرجت من بين جبلين لها صرير، فصلّى العصر وصلّيت معه، فلمّا فرغنا من صلاتنا عاد الليل كما كان، فالتفت إليّ وقال: يا جويرية بن مسهر، الله عزّ وجل يقول: (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ)، وإنّي سألت الله عزّ وجل باسمه العظيم فردّ عليّ الشمس. وروي أنّ جويرية لمّا رأى ذلك قال: أنت وصيّ نبيّ وربّ الكعبة))([3]).
فها هي طائعة مستجيبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) بأمر الله سبحانه، كيف لا عنده اسم الله الأعظم، وقد ذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) حادثة رد الشمس الأولى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بوم الشورى محتجا على القوم فلم ينكرها أحد منهم، قال (عليه السلام) ((أُنشدكم بالله، هل فيكم مَن رُدّت عليه الشمس غيري؟ حين نام رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجعل رأسه في حجري حتّى غابت الشمس، فانتبه فقال: يا علي صلّيت العصر؟ قلت: اللّهم لا، فقال: اللّهم ارددها عليه، فإنّه كان في طاعتك وطاعة رسولك»([4]).
وسئل ابن عباس ما تقول في علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: ((ذكرت والله أحد الثقلين، سبق بالشهادتين، وصلّى القبلتين، وبايع البيعتين، وأُعطي السبطين، وهو أبو السبطين الحسن والحسين، ورُدّت عليه الشمس مرّتين، بعدما غابت عن القبلتين، وجرّد السيف تارتين، وهو صاحب الكرّتين، فمثله في الأُمّة مثل ذي القرنين، ذاك مولاي علي بن أبي طالب(عليه السلام)))([5]).
وحديث ابن عباس هذا بعد واقعة الجمل، إذ يدل على أنه شهد حادثة رد الشمس بعد النهروان.
وختاما: نسأل الله العلي القدير أن يجعلنا مع محمد وآل محمد في الدنيا والآخرة، إنه سميع مجيب.
([1])الخصال: 580.
([2]) الإرشاد: 1/ 345، وبلفظ آخر نقلها الطبراني في المعجم: 24/ 144، مجمع الزوائد: 8/ 297.
([3])من لا يحضره الفقيه 1/ 203.
([4]) رسائل حديث ردّ الشمس: 106.
([5])مائة منقبة: 144.