التصريح بمنع رواية فضائل الإمام علي عليه السلام في خلافة بني أمية

فضائل الإمام علي عليه السلام

التصريح بمنع رواية فضائل الإمام علي عليه السلام في خلافة بني أمية

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 06-12-2021

بقلم: أ. د. ختام راهي الحسناوي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عل خير الخلق أجمعين محد وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
لقد مرّ بنا المنع الرسمي عن حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) في عهد أبي بكر، وعمر، وعثمان، فكانت أولى خطوات معاوية في هذا المجال الإبقاء على تلك السُنة فكان يقول علناً: لا تحدثوا عن رسول الله[1] وكان يقول على منبر دمشق: ((إياكم وأحاديث إلاّ حديثاً كان في عهد عمر...))[2] وفي رواية: إلاّ حديثاً ذكر على عهد عمر فأقرّه[3].
ولم يكن ذلك كافياً بنظر معاوية للإفصاح عن الغاية التي ابتغاها من ذلك، فآثر أن يستكمل ما بدأه من حركة مضادة لفضائل الإمام علي التي كان أولها لعنه والبراءة منه بعد كل صلاة جمعة بوصفه ملحداً!!! وانتقل نقلةً نوعية فكتب نسخة واحدة إلى عماله: ((أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته، فقامت الخطباء في كلّ كُورة، وعلى كل منبر، يلعنون علياً ويبرأون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته؛ وكان أشدّ الناس بلاءً حينئذ أهل الكوفة، لكثرة مَن بها من شيعة علي عليه السلام، فاستعمل عليهم زياد بن سُميّة، وضمّ إليه البصرة، فكان يتتبع الشيعة... فقتلهم تحت كل حجر ومدر وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل، وسمل العيون، وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشردهم عن العراق... وكتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق: ((... أن انظروا مَن قِبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته؛ والذين يروون فضائله ومناقبه؛ فأدنوا مجالسهم وقرّبوهم وأكرموهم، واكتبوا لي بكل ما يروي كل رجل منهم، واسمه واسم ابيه وعشيرته. ففعلوا ذلك، حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه لما كان يبعثه معاوية من الصلات... ثم كتب إلى عماله أنّ الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية؛ فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبراً يرويه أحدٌ من المسلمين في أبي تراب إلاّ وتأتوني بمناقضٍ له في الصحابة؛ فإن هذا أحبّ إليّ وأقرُّ لعيني، وأدحضُ لحجة أبي تراب وشيعته،... فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى... وأُلقي إلى معلّمي الكتاتيب؛ فعملوا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن...))[4].
يوقفنا هذا النص على عدد من الآليات الأموية في محاربة رواية فضائل الإمام علي، فمن مرحلة السبّ والوقيعة إلى مرحلة منع التحديث في فضائل علي والمعاقبة عليه، وترويع ناقلي هذه الفضائل حيناً[5]، وقتلهم والتمثيل بهم أحياناً أخرى[6] كُل ذلك قبال تشجيع نشر الحديث في سواه من الصحابة والإجازة على ذلك؛ ومن ثمّ سعي السياسة الأموية إلى خطوة أكثر خطراً، وأشد تعمية وطمساً وهي السعي إلى تكليف مَن يحيك أحاديث مفتعلة للصحابة على غرار أحاديث الفضائل في علي، فجُعلت أحاديث للخلفاء الثلاثة لتُقابل بها فضائل علي وخصائصه[7]، وفتح الباب على مصراعيه أمام حفظها وروايتها وتدوينها ولأجيال طويلة، حتى قال ابن الجوزي (ت597هـ): ((قد تعصب قوم لا خلاق لهم يدّعون التمسك بالسُنة، فوضعوا لأبي بكر فضائل، وفيهم مَن قصد معارضة الرافضة[8] بما وضعت لعليّ))[9].
وروى ابن عرفة المعروف بنفطويه[10]–وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم–في تاريخه ما يناسب هذا الخبر فقال: ((أن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتُعلت في أيام بني أمية تقرباً إليهم بما يظنون أنهم يُرغمون به أنوف بني هاشم))[11].[12].

الهوامش:
[1] ابن عساكر، تاريخ دمشق، 62/116.
[2] مسلم، الصحيح، ص437؛ ابن الجوزي، الموضوعات، 1/56.
[3] ابن عدي، الكامل، 1/33؛ الذهبي، تذكرة الحفاظ، 1/12.
[4] نقله ابن أبي الحديد في شرح النهج، 11/36–37 عن المدائني (ت225/839م) في كتابه الأحداث. وباختلاف في الألفاظ: ابن قيس، كتاب سليم، ص316–319.
[5] حتى إنّ الرجل إذا روى عنه حديثاً لا يتعلق بفضله بل بشرائع الدين لا يتجاسر على ذكر اسمه فيقول: حدثني رجل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أو يقول حدثني رجل من قريش، ومنهم من يقول: حدثني أبو زينب. الشيخ المفيد، الارشاد، 1/310؛ ابن أبي الحديد، شرح النهج، 4/58 نقلاً عن أبي جعفر الاسكافي المعتزلي (ت240هـ/854م) في كتابه التفضيل.
[6] وقد مرّ ذكر نماذج منهم مثل: حجر الكندي، وأصحابه ممن تصدوا للسب في زمن زياد بن أبيه وميثم التمار ورشيد الهجري وجويرية بن مسهر الذين نشروا فضائل الإمام علي في زمن عبيد الله ابن زياد وكميل بن زياد النخعي الذي قتله الحجاج.
ينظر: الشيخ المفيد، الارشاد، 1/322–327.
[7] الحلو، تاريخ الحديث النبوي، ص248.
[8] الرافضة: الذين افترقوا بعد وفاة الإمام علي إلى أربعة أصناف: زيدية، وإمامية، وكيسانية وغلاة كما يقول البغدادي، وقد أطلق بعضهم هذا المصطلح على طائفة خاصة من الشيعة رفضت زيد ابن علي بعد أن اشترطت عليه البراءة من الشيخين (أبي بكر وعمر) للقتال معه فأبى. وصارت فيما بعد كلمة أو مصطلح خاص أُطلقت على الشيعة عامة للتنفير منهم.
ينظر: الفرق بين الفرق، ص24، ص30–60؛ ابن منظور، لسان العرب، مادة رفض.
[9] الموضوعات، 1/225، وتنظر أمثلة كثيرة من الوضع في فضائل الصحابة، المصدر نفسه، 1/327–344.
ومن نافل القول أن نُعقب على ذيل ما ورد لدى ابن الجوزي في النص الوارد في المتن الذي عبر فيه عن وضع البكرية في فضائل أبي بكر قبال وضع مَن أسماهم بالرافضة في فضائل علي فنقول أنه قد جانب الصواب عندما وصف فضائل الإمام علي (بالموضوعات) لأنها ذُكرت في صحاح السنة وعلى ألسنة محدثيهم بروايات متواترة وطرق صحيحة.
ينظر: ابن البطريق، العمدة، ص1–22.
[10] الإمام الحافظ النحوي العلامة الاخباري إبراهيم بن محمد بن عرفة بن سليمان العتكي الأزدي الواسطي، ولد سنة 244هـ/858م، كان ذا سُنة ودين وفتوة ومروءة وحسن خلق وكيس، وله نظم ونثر، له عدة تصانيف، منها تاريخ الخلفاء، توفي سنة 323هـ/934م.
الذهبي، سير أعلام النبلاء، 10/360–361.
[11] نقل ذلك عنه ابن أبي الحديد، شرح النهج، 11/38.
[12] لمزيد من الاطلاع ينظر: رواية فضائل الإمام علي عليه السلام والعوامل المؤثرة فيها (المراحل والتحديات)، الدكتورة ختام راهي الحسناوي، ص 99-103.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.9336 Seconds