بقلم: أ. د. ختام راهي الحسناوي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عل خير الخلق أجمعين محد وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
لم ينفصل الصراع السياسي عن التوجه الذي عززته بعض الفرق الإسلامية في إخفاء فضائل الإمام علي ومنع روايتها لغايات اجتماعية وعقيدية، وقد أعطانا ابن شهر آشوب (ت588هـ/1192م) صورة ناطقة عن الأخطار التي واجهت فضائل الإمام علي من هذه الجهة حتى عصره، فحدّد ثلاثة تيارات صوّبت سهامها اتجاهها وركبت الباطل، وذهبت مذهب الخلاف، هادفة إلى التقليل من شأن الإمام علي (عليه السلام) وهي[1]:
الخوارج الذين كفّروا الإمام علياً (عليه السلام).
التيار الذي أفرزه الخلاف بين السُّنة والشيعة في الإمامة.
النواصب الذين نكصوا عن أهل البيت (عليهم السلام)، وطعنوا في علومهم، وروجوا لأعدائهم.
وقد أجملَ ابن شهر آشوب تداعيات هذا العداء الذي أفرز تحريفات قصدية متعمّدة تمس ما ورد عن الإمام علي (عليه السلام) من مناقب وفضائل: فمنهم مَنْ كتم الأحاديث، أو طعن فيها أو تأولها وإن كانت من المجمع عليه، و جعل مقابلها باطلاً لا يمت لها بصلة، أو زاد في الأخبار أو نقص منها بهدف تقليل قيمتها أو تحريفها، ومنهم مَنْ نقل مناقب آل البيت إلى غيرهم... أو أنكرها وكذّبها أو جرّح رواتها وطعن في ألفاظها وقدح في معانيها، وقد قام بذلك جماعة من علماء الأمة ومفكريها حتى تكوّن رأياً عاماً لهم، يزعق على المحدثين والمذكرين في ذكرهم علياً[2].
وسنحاول أن نقف على شواهد لما جاء في هذا النص الواضح لابن شهرآشوب، الذي ينتقل بنا إلى مراحل أخرى في محاربة فضائل الإمام علي، كانت تُمثل الامتداد لما غُرس في العصر الأموي والعباسي من تعصب وتمذهب، فصار قادة هذه المراحل علماء ومفكرين سعوا بغاية السلطان عن قصد أو غير قصد بتأثير التربية الفكرية المنحرفة.
فقد ابتُكرت طرق جديدة في مُضادة الفضائل المروية للإمام علي إذ كانت من الشهرة بحيث لا تُنكر، منها: التقليل من أهميتها؛ وللتدليل على ذلك نورد ما قالهُ الايجي الشافعي (ت بعد سنة 861هـ/1456م) بعد أن ذكر الحديث الوارد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الإمام علي يوم خيبر: ((لأُعطين الراية غداً رجلاً يُحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله))[3]، فعلّق الايجي الشافعي قائلاً: ((وقد صنف بعض المتعصبين في الرد على الروضة[4] كتاباً وألّف فيه لكل فضيلة وخصيصة لعلي أمير المؤمنين رداً وجواباً!! وأثبت هذا الحديث [حديث خيبر] وحديثين آخرين من فضائله العليّة، ثم قال وهذه صفة موجودة لكل مؤمن فاضل!! فانظروا إلى شمائله في العصبية، أعاذنا الله مما يؤدي إلى مخالفة السُنّة والكتاب))[5][6].
الهوامش:
[1] المناقب، 1/13.
[2] المصدر نفسه، 1/14–16.
[3] البخاري، الصحيح، ص659؛ مسلم، الصحيح، ص1042؛ الترمذي، السنن، ص980.
وقد خرّجه الأيجي الشافعي بطرق مختلفة الألفاظ متفقة المعاني وقال فيه: ((تصدى لتحديثه وروايته ملأ من الصحابة الأجلاء الكرام، وتحدى بتحقيقه ودرايته جماعة من الأئمة الأدلة العظام...)). فضائل الثقلين، ص220–225.
[4] الروضة: قد يكون المقصود (كتاب الروضة) لأحمد بن محمد بن الحسين بن الحسن بن دول القمي (ت350هـ/961م) وهو ممن ألف في مناقب الإمام علي (عليه السلام). النجاشي، رجال، ص87–88. أو هو (كتاب الروضة في فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) لـ سديد الدين شاذان بن جبرائيل القمي (ت660هـ/1261م) وقد طبع في مدينة قم المقدسة سنة 1423هـ/2002م. وحديث الراية ورد في الكتاب في ص119.
[5] الأيجي الشافعي، فضائل الثقلين، ص225.
[6] لمزيد من الاطلاع ينظر: رواية فضائل الإمام علي عليه السلام والعوامل المؤثرة فيها (المراحل والتحديات)، الدكتورة ختام راهي الحسناوي، ص 119-121.