فضائل الإمام علي عليه السلام وآليات المنع. الحلقة الأولى: اندراج الإسناد في أطار الصراعات السياسية والاجتماعية

فضائل الإمام علي عليه السلام

فضائل الإمام علي عليه السلام وآليات المنع. الحلقة الأولى: اندراج الإسناد في أطار الصراعات السياسية والاجتماعية

4K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 15-06-2022

بقلم: أ. د. ختام راهي الحسناوي

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير الأنام ابي القاسم محمد وعلى آله الهداة الاخيار.
أما بعد:
فإن مما هو جدير بالملاحظة والتأمل اندراج الإسناد في وقت مبكر في إطار الصراعات السياسية والاجتماعية، فقد أخرج مسلم في صحيحه أنه لم يكونوا ((يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنةُ، قالوا: سمّوا لنا رجالكم، فيُنظر إلى أهل السُّنة فيؤخذ حديثهم، ويُنظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم))[1].
ويكشف هذا الحديث عن الإطار الزماني لنشأة التقصي في الإسناد، والظروف التي أملته زمنياً، إذ بدأ الاهتمام بالإسناد بعد ربع قرن من وفاة النبي صلى الله عليه وآله، وتحديداً في خلافة الإمام علي[2]، وتولد ذلك عن صراعات سياسية متمثلة في الخلاف حول الخلافة، وعن صراعات اجتماعية متمثلة في الفرق المتشيعة من (شيعة) و (خوارج)، على أن الإسناد السني سيطر، واُعتبر المرجعية الأساسية، وجرى تهميش ما خرج عنه[3] منذ أن أسس معاوية عبر كتبه إلى ولاته بـ ((العيب على أصحاب علي والإقصاء لهم وترك الاستماع منهم، وبإطراء شيعة عثمان... والإدناء لهم والاستماع منهم))[4] من هنا تأسس مبدأ إقصاء (الشيعي) وردّ أحاديثه أو اتهامه، وتقديم (السني) وقبول أحاديثه واعتمادها![5].
وتأسست على ذلك مدارس كان أهم مرتكزاتها الرجالية في تضعيف الراوي وتوثيقه ينطلق من أساس مذهبي شديد الحذر من رواية الحديث النبوي الذي يشمل فضائل علي بن أبي طالبj، فضلاً عن النص على خلافته لأنه سيكون تبريراً فيما بعد لتفضيله على غيره، وسيعطي لمشروعية خلافته تراثاً نبوياً من الأحاديث التي لا يمكن التخلف عنها بحال.
إن الانتماء المذهبي للراوي لم يعد علةً تامة في تضعيفه بل هو جزء علة، والعلة التامة فضلاً عن تشيعه هو روايته للفضائل التي لا تنسجم وتوجهات هذه المدارس، بل تُعد هذه الأحاديث في الحقيقة إدانة صريحة لأي نظام قائم، إذ تؤكد شرعية خلافة علي بن أبي طالب عليه السلام[6].
وقد راجت هذه الدسيسة على أكثر النقاد، فجعلوا يثبتون التشيع برواية الفضائل ويُجرّحون راويها بفسق التشيع، ثم يردون من حديثه ما كان في الفضائل، ويقبلون منه ما سوى ذلك وهي مكيدة شيطانية كاد أن ينسد بها باب الصحيح من فضل العترة النبوية لولا حكم الله النافذ[7].

وأول مَنْ نص على هذه القاعدة إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني (ت259هـ/872م) وكان من غلاة النواصب[8]، فأسس بذلك قاعدة التحكم في مرويات (المبتدع) الذي يُقصد به المتشيع: من قبول ما كان منها في الأحكام وشبهها، ورد ما كان منها في الفضائل حتى لا يُقبل في فضل علي حديث[9].
ويبدو أن هذا الإجراء قد تم اللجوء إليه مع انطلاق بواكير التدوين والتصنيف الرسمي للسُّنة النبوية لمحاصرة أحاديث الفضائل العلوية.
ولكن ما هو المعنى المقصود من المبتدع (المتشيع)[10].

الهوامش:
[1] الصحيح، ص51 المقدمة باب الإسناد من الدين، ابن حجر، لسان الميزان، 1/7.
[2] من المؤرخين الذين عبّروا عن مدّة (خلافة الإمام علي) بمصطلح (الفتنة) أبو زرعة الدمشقي (ت280هـ أو 281/893 أو 894م) والذي ابتدأ تاريخه بالسيرة النبوية ثم تواريخ الخلفاء وأعمالهم (أبو بكر وعمر وعثمان)، ثم تجاهل خلافة الإمام علي مكتفياً بالقول: ((وكانت الفتنة خمس سنين)) ثم يستأنف تواريخ حكام بني أمية!!!.
ينظر: تاريخ أبي زرعة، ص31–42 وما بعدها، راجح، الإمام علي، ص16.
[3] يوسفي، صورة عثمان وعلي، ص44.
[4] هذا ما جاء في كتاب معاوية إلى وإليه على الكوفة المغيرة بن شعبة. الطبري، تاريخ، 5/169.
[5] عبد الحميد، تاريخ الإسلام، ص654.
[6] الحلو، تاريخ الحديث النبوي، ص63–64.
[7] الغماري المالكي، فتح الملك العلي، ص219.
[8] قال الذهبي في ترجمته: إبراهيم بن يعقوب، أبو إسحاق السعد الجوزجاني الثقة، الحافظ، أحد أئمة الجرح والتعديل... وكان شديد الميل إلى مذهب أهل دمشق في التحامل على علي رضي الله عنه، وقد وصف الجوزجاني بأنه لم يكن يكذب. ينظر: ميزان الاعتدال، 1/205. ويطيب لي هنا أن أقتبس تعليق الحيدري على بعض توثيقات النواصب (بصدقه اللهجة) في الكتب الرجالية الذي أورده في كتابه (السلطة وصناعة الوضع)، ص205، إذ قال: ((كيف يوفق الإنسان بين توثيق الناصبي الثابت نفاقه بمقتضى الحديث النبوي الصحيح: (يا علي لا يحبك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق) ويوصف (بصدق اللهجة) والقرآن الكريم يصرح بما لامجال للشــك فيــه ﴿وَالله َشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾؟!)) سورة المنافقون: الآية 1.
[9] ابن حجر، لسان الميزان، 1/16؛ الغماري المالكي، فتح الملك العلي، ص221. وقال الغماري المالكي: وهذا الشرط لو أُعتبر لأفضى إلى رد جميع السُّنة إذ ما من راوٍ إلاّ وله في الأصول والفروع مذهب يختاره، ورأي يستصوبه ويميل إليه، مما غالبه ليس متفقاً عليه، فإذا روى ما فيه تأييد لمذهب وجب–حسب هذا الشرط–أن يُرد ولو كان ثقة مأموناً، لأنه لا يؤمن عليه حينئذ من غلبة الهوى في نصرة مذهبه كما لا يؤمن المبتدع الثقة المأمون في تأييد بدعته، فكما لا يُقبل من الشيعي في فضل علي، كذلك لا يُقبل من غيره شيء في بقية الأصحاب ثم لا يُقبل من الأشعري ما فيه دليل التأويل، ولا من السلفي ما فيه دليل التفويض، ثم لا يُقبل من الشافعي والحنفي وهكذا بقية أصحاب الأئمة الذين لم يخرج مجموع الرواة بعدهم عن التعلق بمذهب واحد منهم أو موافقته... وحينئذ فلا يُقبل في باب من الأبواب حديث إلاّ إذا أبلغ رواته حد التواتر... وبذلك تُرد أكثر السنة، أو ينعدم المقبول منها، وهذا في غاية الفساد.
فتح الملك العلي، ص220–222، وينظر: ابن حجر، لسان الميزان، 1/7–13.
[10] لمزيد من الاطلاع ينظر: رواية فضائل الإمام علي عليه السلام والعوامل المؤثرة فيها (المراحل والتحديات)، الدكتورة ختام راهي الحسناوي، ص 130-133.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2878 Seconds