الباحث: علي فاضل الخزاعي
الحمد لله على آلائه المتكاثرة ونعمائه المتواترة والصّلاة والسلام على نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) وعترته الطَّاهر (عليهم السلام).
أما بعد..
فإن الاختيار الإلهي حينما وقع في شخص النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، وأمرهم بنشر الدين الإسلامي، واختيارهم من دون سائر البشر دليل على أن لهم مكانة مخصوصة وكبرى عند الله تعالى، وحينما نرجع الى العلاقة بين النبي وأمير المؤمنين (صلوات الصلاة والسلام) نراها علاقة ليست كباقي العلاقات الاجتماعية من حيث النسب أو الصهر؛ فليست القضية مجرد حب شخص النبي (صلى الله عليه وآله) للإمام علي (عليه السلام)، بل هو أمر من الله (عز وجل) بأن يتكفل النبي (صلى الله عليه وآله) بأمير المؤمنين (عليه السلام) منذ كان صبياً، بدليل ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (اخترت من اختار الله لي عليكم عليا)[1].
وهنالك سبب آخر دعا النبي (صلى الله عليه وآله) في كفالة الإمام علي (عليه السلام) وهو من نعم الله تعالى، وهو أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لحمزة والعباس: (إن أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترون من هذه الأزمة فانطلق بنا نخفف من عياله، فدخلوا عليه وطلبوه بذلك فقال: إذا تركتم لي عقيلا فافعلوا ما شئتم فبقي عقيل عنده إلى أن مات أبو طالب ثم بقي في وحده إلى أن أخذ يوم بدر واخذ حمزة جعفرا فلم يزل معه في الجاهلية والإسلام إلى أن قتل حمزة وأخذ العباس طالبا وكان معه إلى يوم بدر ثم فقد فلم يعرف له خبر، وأخذ رسول الله عليا وهو ابن ست سنين كسنه يوم أخذه أبو طالب فربته خديجة والمصطفى إلى أن جاء الإسلام وتربيتهما أحسن من تربية أبي طالب وفاطمة بنت أسد فكان مع النبي إلى أن مضى وبقى علي بعده)[2].
وعندما نرجع الى الخطبة القاصعة لأمير المؤمنين (عليه السلام) نرى فيها المنزلة الخصيصة له عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث تبين كل معالم الكفالة حيث يقول (عليه السلام): (وقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ الله (صلى الله عليه وآله)، بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ والْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ، وَضَعَنِي فِي حِجْرِه وأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِه، ويَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِه ويُمِسُّنِي جَسَدَه، ويُشِمُّنِي عَرْفَه، وكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيه... ولَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُه اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّه، يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِه عَلَماً، ويَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِه، ولَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ، فَأَرَاه ولَا يَرَاه غَيْرِي، ولَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلَامِ، غَيْرَ رَسُولِ اللَّه (صلى الله عليه وآله) وخَدِيجَةَ وأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرَى نُورَ الْوَحْيِ والرِّسَالَةِ وأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ...)[3].
واستطاع بهذه المرافقة الكاملة أن يقتطف من ثمار أخلاقه (صلى الله عليه وآله) العالية، وسجاياه النبيلة، الشيء الكثير الكثير، وأن يصل تحت رعاية النبي (صلى الله عليه وآله) وعنايته وبتوجيهه وقيادته إلى أعلى ذروة من ذرى الكمال الروحي، وإن من كان هذا شأنه لا يكون إلا من عصمه الله من الزلل، وآمنه من الفتن، وطهره من الدنس، وأذهب عنه الرجس، وطهره تطهيرا[4].
لهذا كان الاختيار الإلهي في الكفالة دليل على أن منزلة أمير المؤمنين (عليه السلام) مثل منزلة رسول الله (صلى اله عليه وآله) ما عدا النبوة، بدليل قوله (صلى الله عليه وآله): (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)[5].
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله وعلى آله الطيبين الطاهرين (عليهم الصلاة والسلام).
الهوامش:
[1] مناقب آل أبي طالب، ابن شهراشوب: 2/28.
[2] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: 38/295.
[3] ينظر: نهج البلاغة (تحقيق صبحي الصالح): 300-302.
[4] ينظر: عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار، ابن البطريق: 10.
[5] الهداية، الشيخ الصدوق: 157.