الجود بالنفس أقصى غاية الجود

الملازمة بين النبي والوصي عليهما السلام

الجود بالنفس أقصى غاية الجود

7K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 20-11-2017

الجود بالنفس أقصى غاية الجود

الباحث: علي عباس فاضل

الحمد لله خير محمود والصلاة والسلام على خير مخلوق أبي القاسم محمد وآله الطبيبين الطاهرين وبعد:

  تعرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أنواع كثيرة ومتنوعة من المضايقات والاعتداءات عليه وعلى أتباعه، فقد كانوا قلة قليلة بين كثير من الأعداء الذين يتربصون بهم، فلقد تعرضوا إلى التعذيب كالجلد والحرق، حتى وصل الأمر إلى القتل كما فُعل بآل ياسر (رضوان الله عليهم).

وبعد هذه الحوادث أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أصحابه بالهجرة إلى المدينة وبدأ بالمستضعفين الذين لا قوة لهم في تحمل أذى المشركين، ولَمَّا رَأَى الْمُشْرِكُونَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) قَدْ حَمَلُوا الذَّرَارِيَّ وَالأَطْفَالَ إِلَى الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ عَرَفُوا أَنَّهَا دَارُ مَنَعَةٍ وَقَوْمُ أَهْلِ حَلْقَةٍ وَبَأْسٍ. فَخَافُوا خُرُوجَ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) فَاجْتَمَعُوا فِي دَارِ النَّدْوَةِ. وَلَمْ يَتَخَلَّفْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالْحِجَى مِنْهُمْ لِيَتَشَاوَرُوا فِي أَمْرِهِ. وَحَضَرَهُمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ شَيْخٍ كَبِيرٍ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ مُشْتَمِلٍ الصَّمَّاءَ فِي بَتٍّ. فَتَذَاكَرُوا أَمْرَ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) فَأَشَارَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِرَأْيٍ. كُلُّ ذَلِكَ يَرُدُّهُ إِبْلِيسُ عَلَيْهِمْ وَلا يَرْضَاهُ لَهُمْ. إِلَى أَنْ قَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَرَى أَنْ نَأْخُذَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ غُلامًا نَهْدًا جَلِيدًا. ثُمَّ نُعْطِيَهُ سَيْفًا صَارِمًا فَيَضْرِبُونَهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ. فَيَتَفَرَّقُ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ. فَلا يَدْرِي بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ بَعْدَ ذَلِكَ مَا تَصْنَعُ. قَالَ: فَقَالَ النَّجْدِيُّ (ابليس): لِلَّهِ دَرُّ الْفَتَى! هَذَا وَاللَّهِ الرَّأْيُ وَإِلا فَلا. فَتَفَرَّقُوا عَلَى ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا عَلَيْهِ. وَأَتَى جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ وَأَمَرَهُ أَنْ لا يَنَامَ فِي مَضْجَعِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ([1])... وَأَمَرَ عَلِيًّا (عليه السلام) أَنْ يَبِيتَ فِي مَضْجَعِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ. فَبَاتَ فِيهِ عَلِيٌّ (عليه السلام) وَتَغَشَّى بُرْدًا أَحْمَرَ حَضْرَمِيًّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) يَنَامُ فِيهِ. وَاجْتَمَعَ أُولَئِكَ النَّفْرُ مِنْ قُرَيْشٍ يَتَطَلَّعُونَ مِنْ صِيرِ الْبَابِ وَيَرْصُدُونَهُ يُرِيدُونَ ثِيَابَهُ وَيَأْتَمِرُونَ أَيُّهُمْ يَحْمِلُ عَلَى الْمُضْطَجِعِ صَاحِبَ الْفِرَاشِ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) عَلَيْهِمْ وَهُمْ جُلُوسٌ عَلَى الْبَابِ. فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنَ الْبَطْحَاءِ فَجَعَلَ يَذَرُهَا عَلَى رؤوسهم ويتلو: ((يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيم))([2]). حتى بلغ: ((وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُون))([3]). وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) فَقَالَ قَائِلٌ لَهُمْ: مَا تَنْتَظِرُونَ؟ قَالُوا: مُحَمَّدًا. قَالَ: خِبْتِمْ وَخَسِرْتُمْ. قَدْ وَاللَّهِ مَرَّ بِكُمْ وذرَّ على رؤوسكم التُّرَابَ. قَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَبْصَرْنَاهُ! وَقَامُوا يَنْفُضُونَ التراب عن رؤوسهم([4]). وفي مبيت أمير المؤمنين (عليه السلام) في فراش النبي (صلى الله عليه وآله) من التضحية ما لا يمكن لأحد وصفه بعد ما وصفه القرآن الكريم بقوله تعالى: ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ))([5]). فقد روي عن ابن عباس أنها نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام) حين نام في فراش النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)([6])، قال الثعلبي: ((ورأيت في الكتب إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما أراد الهجرة خلف علي بن أبي طالب (عليه السلام) بمكة لقضاء ديونه ورد الودائع التي كانت عنده فأمره ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه (صلى الله عليه وآله) وقال له: «اتشح ببردي الحضرمي الأخضر، ونم على فراشي، فإنّه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله، ففعل ذلك علي (عليه السلام)، فأوحى الله تعالى إلى جبرئيل وميكائيل إني قد آخيت بينكما وجعلت عُمْرَ أحدكما أطول من عُمْرِ الآخر فأيكما يؤثر صاحبه بالبقاء والحياة؟ فاختار كلاهما الحياة فأوحى الله تعالى إليهما: أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب (عليه السلام) آخيت بينه وبين محمّد (صلى الله عليه وآله) فبات على فراشه [يفديه] نفسه ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه، فنزلا فكان جبرئيل عند رأس علي (عليه السلام) وميكائيل عند رجليه، وجبرئيل ينادي: بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب، فنادى الله عزّ وجلّ الملائكة وأنزل الله على رسوله (صلى الله عليه وآله) وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي (عليه السلام) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ))([7]).

وليس هذا فحسب فأمير المؤمنين (عليه السلام) قدم نفسه قربانا لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله) ولم يخش في ذلك من شيء، وكيف لا وهو أخو رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونفسه.

وختاما يعلمنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) أنك مهما بذلت في سبيل الله فهو لك مردود بأكثر مما قدمت، فما عند الله خير وأبقى.

 

 



 ([1]) ينظر: الطبقات الكبرى، ابن سعد: 1/ 176.

 ([2]) سورة يس: 1- 2

 ([3]) سورة يس: 10

 ([4]) ينظر: الطبقات الكبرى، ابن سعد: 1/ 176.

 ([5]) سورة البقرة: 207

 ([6]) الكشف والبيان عن تفسير القرآن، أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، (ت: 427هـ)، تحقيق: الإمام أبي محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق: الأستاذ نظير الساعدي، ط1، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان، 1422هـ - 2002 م: 2/ 126.

 ([7]) الكشف والبيان عن تفسير القرآن: 2/ 125- 126، أسد الغابة في معرفة الصحابة، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (ت: 630هـ)، تحقيق: علي محمد معوض - عادل أحمد عبد الموجود، ط1، دار الكتب العلمية، 1415هـ - 1994م: 4/ 87.

 

المقالة السابقة المقالة التالية

Execution Time: 0.6895 Seconds